صدر عن مكتب الزعيم، 13/2/1946
إلى حضرة مدير مديرية خوخوي
خوخوي
حضرة المدير المحترم،
من بضعة أيام قدم مدينة توكومان، لداع خصوصي، الرفيق رستم صدير، محصّل مديريتكم، وانتهز الفرصة فزارني وسررت بزيارته، وتردد عليّ في أثناء المدة القصيرة التي اقام فيها هنا، وتحدثنا في الأمور التي تهمّ عقيدتنا وقضيتنا وفي الأعمال القومية المحلية في خوخوي وعلمت منه أنّ الفتور في هذه الأعمال، الذي تحققته في زيارتي الأخيرة لمدينة خوخوي لا يزال مسيطراً على الحالة وأن لا جديد غير تحقيق انضمام السيد عاصي إلى حركتنا وهو المواطن الذي زارني، بصحبة الرفقاء، في الفندق في خوخوي.
في بعض محادثاتي مع الرفيق صدير تطرقت إلى شؤون مديرية خوخوي الإدارية وبعض مسائلها الداخلية، وجواباً على يعض أسئلتي أطلعني الرفيق صدير، لدهشتي واستغرابي على ما حصلت الموافقة عليه وقررتموه، يا حضرة المدير في إحدى جلسات هيئه المديرية الأخيرة وهو صرف المال المتجمع في حوزة محصّل المديرية من اشتراكات الأعضاء لسد نفقة إنزال الزعيم في فندق باريس.
إنّ لعملكم هذا وجوهاً كثيرة للنظر وكلها مؤسفة ومحزنة، وله أيضاً ما يعيّنه القانون من مسؤوليات وواجبات وما يوجبه من عقوبات.
أما وجوه الأمر المؤسفة والمحزنة فهي الوجوه الروحية المناقبية. أجل، إنه لمحزن جدًّا أن يجتمع عدد من الرجال المنتمين إلى نهضة روحية مناقبية من الطراز الأول، وكلّهم أو جلّهم من أصحاب الأعمال التجارية والأرباح المالية الجيدة، ليبحثوا في من يجب أن يتحمل كمية مالية زهيدة أنفقت على إنزال الزعيم في فندق اختاره الرفقاء الباحثون أنفسهم لنزوله، وأن يتفق الجميع على عدم تحمّل الكمية الزهيدة المذكورة، وأن يفرضوها على المال المجبى لخزانة الحزب العامة! والحقيقة أنه لو دفع كل واحد منهم أضعاف هذه الكمية لكان ذلك أقلّ ما ينتظر منه من العمل في مثل هذه المواقف والظروف، في سبيل الروحية والمثالية التي نشعر ونؤمن بأنها يجب أن تسيطر على جميع أعمالنا وأفكارنا، وأن تنتزع من صدورنا قلوبنا الفاسدة، وتضع لنا في مكانها قلوباً جديدة تخفق بالإيمان والثقة والمحبة وفعل الواجب والتضحية.
انتم، من وجهتكم الفردية. قد حللتم الأمر على هذه الكيفية، على ما يظهر، "إنّ الزعيم الآن تاجر وهو عندما يقدم خوخوي يقوم بأعمال تجارية تعود عليه بالأرباح فليس علينا نحن أن ننفق على الزعيم من أجل أعماله التجارية". وهذا الوجه لو كان كله صحيحاً لكان تعليلكم صحيحاً لا غبار عليه. ولكن الحقيقة هي أنه ولا زيارة واحدة من زياراتي لمدينة خوخوي كانت تجارية بحتة، أو كانت الدوافع التجارية هي الأولى والأساسية فيها.
مواعيد زياراتي كلها كانت تقرر بناءً على كتب ترد في الغالب من ناموس المديرية الرفيق يعقوب ناصيف تحضني على زيارتكم لإنعاش معنوياتكم، وللنظر في بعض أموركم، ولشرح بعض القضايا لكم. التجارة كانت دائماً الوجهة الثانوية من عوامل زياراتي المتعددة إلى خوخوي. تجارتي مع خوخوي لم يكن يقتضي لها غير زيارة واحدة أولى، ثم زيارة واحدة في السنة على الكثير. ولو كان سفري للتجارة لكان يجب أن أضع لها برنامجاً تجاريًّا وأزور بعض الأنحاء غير العاصمة، وحينئذٍ كنت أنا أختار الوقت المناسب لتجارتي غير ناظر في أشياء أخرى، وكنت أعيّن مدة بقائي في العاصمة، والدقائق التي يحسن لتجارتي أن أصرفها معكم، وأنواع الأحاديث التجارية التي يوافق مصلحتي التجارية أو أسوقها معكم. والحقيقة أنّ نتائج تجارتي مع خوخوي، إذا كانت شيئاً فهي لم تتجاوز تعويض نفقة أسفاري إليها ويبقى خسارة أوقاتي خارج محلي وبعيداً عنه. وهب أني ما كنت أزور خوخوي إلا لأعمالي التجاري فما قيمة وجودي بينكم لكم؟ إنّ تدخّلكم في أمر نفقتي ومكان نزولي في خوخوي لا يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار إلا من هذه الوجهة، أعني وجهة مبلغ تقديركم لوجودي بينكم مهما كان نوع الدوافع والعوامل التي سببت وجودي بينكم. هذه هي الوجهة المناقبية التي يقاس بها فهمكم القيم وشعوركم بالواجب، وإذا أردنا أن نبحث في القيمة المادية البحتة لوجودي معكم، بصرف النظر عن شؤون الزعامة، فأفيدكم أنه لا يجوز أن يقدّر أي حديث من أحاديثي معكم في مسائل الأمة والوطن والنهضة القومية ومسائلها بأقل من خمسمائة فاس بالعملة الأرجنتينية، وكل حديث أو محاضرة أو أفادة في مكان عمومي كالجمعية السورية اللبنانية أو غيرها لا يجوز أن يقدّر بأقل من خمسة آلاف فاس بالعملة الأرجنتينة، بالنسبة إلى خوخوي، أما بالنسبة إليّ أن يكون المبلغ مضاعفاً. وإذا كان يجب أن ينظر إلى هذه المسألة من غير هذه الوجهة، أي من وجهة أنه ينتظر مني، من حيث إني مؤسس النهضة القومية الاجتماعية وواضع تعاليمها ومكوّن عقيدتها، أن أذيع أفكاري وتعاليمي في كل مكان يوجد فيه راغبون في الوقوف عليها، فمع ما ينطوي تحت ذلك من مسائل تتعلق بالمجهود الجسدي وأحواله فإذا كنت انا لم أبخل قط بمقابلة رغبة أية فئة حسنة النية بتكليف نفسي مجهودات فوق ما كان يجب، فماذا ينتظر من المستفيدين فكريًّا وروحيًّا وعمليًّا من مجهوداتي أن يفعلوا؟ وهب أني انا الذي قرررت الزيارات والرحلات وقررت نفقتها المخصصة من خزانة الحزب، فماذا يليق بأهل الأماكن التي يزورها الزعيم أن يفعلوا؟
كثير ما يمكن أن يقال في هذا الصدد، ولا حاجة للإكثار. أما من الوجهة القانونية فإنكم قد خرجتم على صلاحياتكم، حين قررتم صرف مال جباية الخزانة العامة. إن هذا المال لا يخص المديرية ولا يخضع لشيء من مقرراتها، لأنه يجبى باسم الخزانة الحزبية العامة ويجب أن يرفع إليها شهريًّا كما ينص القانون، وأي تصرّف بمال الجباية يعرّض المسؤول عنه للمحاكمة بتهمة خرق القانون والعبث به، فضلاً عن التّهم الأخرى المصاحبة التي تقتضيها ظروفها الخاصة.
إنّ الاشتراكات المجبية في الأرجنتين لم تكن ترسل إلى الخزانة في الوطن بسبب ظروف الحرب و انقطاع الاتصال بالمركز في الوطن، وكان الزعيم يتسلمها لتصريفها في الشؤون الحزبية ولسدّ بعض نفقته الخاصة المقرر أن تكون من خزانة الحزب، فضلاً عن نفقات مكتبه الذي يلزم له مطبوعات وأجور بريد وبرق، وكان يجب أن يكون فيه مستخدمون عاملون في النسخ والتسجيل والنقل والكتابة والحفظ وغير ذلك، وليس مشرفاً لفرع الأرجنتين إظهار مبلغ الأموال التي قدّمها. ولولا مساعدات زوجتي المادية من عملها لما أمكن أن تستمر الزوبعة كما كانت مستمرة في الماضي، ولو كنت أريد محاسبة فرع الأرجنتين على معاش إدارة الزوبعة وإنشائها لما أمكن الفرع أن يقوم بالعجز في هذه الناحية وحدها. ولو أرادت زوجتي مطالبته بما دفعته هي لأعمال الإذاعة وغيرها لما امكن أن يؤديه.
قلت إنّ الجباية كانت ترفع إلى الزعيم لأنه المرجع الأعلى لجميع شؤون الحزب، ولعدم إمكان إرسال الجباية إلى الخزانة المركزية رأساً بسبب حالة الحرب وبسبب الظروف الحزبية التي لم تمكّن الحزب، في حالة جهاده وتعرّض رجاله للسجون وإدارته للخلل، من جعل جميع أموره منتظمة على الوجه الذي يريده. ولكننا نعلم أنّ هذه أحوال عارضة، وأرجو أن أتمكن في القريب العاجل من إيجاد الترتيب الموافق وربط مواصلات فرع الأرجنتين بالمركز في الوطن، بحيث تصير الجباية ترجع إلى الخزانة العامة في عمدة المالية، ويصير الفرع يتبلّغ المقررات المالية وغيرها بواسطة العمدات المختصة.
إنّ عدم إمكان فرع الأرجنتين القيام بما يلزم الزعيم ومكتب الزعيم وضرورات الإذاعة الفكرية للنهضة، جعلتني أقبل فكرة الاتجار لعلي أتمكن من سد بعض المطلوب في هذه النواحي خصوصاً الإذاعة. ولكن الذين ائتمنتهم من "الرفقاء" ليكونوا عوناً لي على تحقيق هذه الرغبة لم يكتفوا من الانتفاع المعقول والمشروع، بل قاموا ينهبون ما بيدي كأني فريسة (...) القدوة في العلاقات بين القوميين، مهما كان في ذلك من مجازفة، لما أمكن أن يكون لأحد منهم فرصة للتقرب إليّ وشأنهم ما شأنهم.
وشيئاً آخر قد طلبت في التجارة، أن أصون كرامتي وحرمة الزعامة عما لم يعرف الفرع وأعضاؤه في الأرجنتين أن يصونوهما عنه، بل عما كانوا عوناً لأعداء النهضة السورية القومية الاجتماعية وأعداء مؤسسها على جلبه عليهما.
إنّ أمر صرفكم مالاً حزبيًّا من جباية المديرية أحمله، من الوجهة الإدارية والمادية، على نتيجة جهلكم القوانين الحزبية، وأحلّه بإصدار الأمر عليكم أن يعاد المال إلى المحصّل ليرفعه مع بقية الجباية إلى حيث يجب. وأما أمر من يدفع نفقة إقامتي في الفندق في خوخوي فأحلّه ايضاً بتخصيص مبلغ أربعين فاس (40) من أصل تسعين فاس التي هي مبلغ السند الذي أحوّله إلى مديريتكم لأمر المحصّل الرفيق رستم صدير لهذه النفقة، والأربعون فاس هي التي أخرجتموها من حوزة المحصّل لهذه الغاية فتعاد إليه كاملة غير منقوصة.
يبقى أمر الخمسين فاس الأخرى المرسلة بالسند المذكور، فهي تبرّع مني بواسطة مديريتكم لمساعدة الحركة في الوطن، بشرط أن تقوموا بحركة تبرعات كالتي أشرت عليكم بها في زيارتي الأخيرة منكم ومن بقية المواطنين في مدة لا تزيد على شهرين. ومتى تم عملكم أشير عليكم كيف يرسل المال.
إني أقدر الآن على هذا التبرع القليل جدًّا، بعد الذي منيت به من خسائر بسبب أمانة "رفقاء غيورين" ووفائهم، لأنّ عملي وزوجتي المتواصل طول السنة الماضية قد مكّنني من استعادة خسارتي في الشركة المشؤومة في المحل وإن أكن لمّا أستعد جميع خسائري في توكومان. وإني أرجو أن أرى تبرعات المقتدرين منكم أضعاف تبرّعي. وأرجو أن أتمكن قريباً، إذا لم أتعرض لخسارة تجارية كبيرة لسبب من الأسباب المحتملة في التجارة، من إعادة الزوبعة إلى الصدور بانتظام فأنفق عليها من جيبي وحدي ومن القليل الذي يأتي برسم اشتراكات للجريدة وهو لا يعوّل عليه.
وإني أطلب منكم طلباً رسميًّا أن تدرسوا أنتم وجميع أعضاء هيئة المديرية الموظفين للأعمال الإدارية المتنوعة، الدستور والقوانين الدستورية الموجودة مجموعتها بين أيديكم، لكي لا تتورطوا في المستقبل في ما تورطتم فيه الآن، وحينئذٍ لا يمكن إعفاؤكم من المسؤولية والعقوبة بحجة أنكم تجهلون الدستور والقوانين، فحجة الجهل لا تبرر الذنب ولا يمكن أن يقوم صاحب وظيفة بأمر وظيفته وهو يجهل صلاحياتها ومسؤولياتها وحدودها. ولا يمكنكم أن تفيدوا قضيتكم بجعل مقام قوانينها وأحكامها ومراجعها.
أرجو لكم حسن التوفيق في مساعيكم القومية وأعمالكم الخصوصية.
واقبلوا سلامي القومي لكم ولجميع الرفقاء المخلصين في مديريتكم. ولتحيى سورية.
مرفق بهذا الكتاب سند على مصرف كمرسيال – توكومان بمبلغ واحد وتسعين فاس (91) لأمر المحصّل. أقول واحد وتسعين فاس. والواحد لسد تكاليف قبض السند رقمه 385927.