صدر عن مكتب الزعيم 1/9/1946
إلى الرفيق المجاهد رفيق الحلبي
كوماسي - الشاطئ الذهبي
أيها الرفيق العزيز،
تسلّمت أول أمس كتابك الأخير المؤرخ في 12 أغسطس الماضي وأنا أهمّ بالكتابة إليك فشكرت التقادير التي أوصلت إليّ كتابك في الوقت المناسب.
كنت قبل ذلك بمدة قد تسلّمت نسخة كتابك إلى حضرة رئيس المجلس الأعلى الموقر الأمين الجزيل الاحترام نعمة ثابت (صادرة رقم25 – 5 – 46) ونسخة مرفقة بها لكتابك المؤرخ في 8 يوليو/تموز 1946، الموجّه إلى حضرة الرفيق رئيس مكتب عبر الحدود.
أطلعتني هذه الوثائق على ناحية القضايا الشخصية - الإدارية في منفذية أفريقية الغربية وكيفية معالجتها من قبل رئاسة مكتب عبر الحدود، وسأحتفظ بها للاستفادة منها حين النظر في إعادة تنظيم أو توسع تنظيم مكتب عبر الحدود وأعماله وفي حالة كل فرع من الفروع التابعة له، بُعيد عودتي التي أصبحت قريبة.
مع ذلك فإني اغتنم هذه الفرصة لإبداء بعض ملاحظات ضرورية في صدد بعض تعابير كتابك إلى حضرة رئيس المجلس الأعلى الموقر والأسباب المقدّرة لعدم إجابتك عليه فقد وجدت أنك استعملت في كتابك المذكور في صدد انتقادك لفصل مديرية سيراليون عن منفذية أفريقية الغربية وجعلها في مرتبة مديرية مستقلة، تعبيراً انتقاديًّا جارحاً وجامحاً عن القواعد التي يجب مراعاتها لرفع أعمالنا ودروسنا وآراننا عن اندفاع الحدة الشخصية ولجعلها دائماً ضمن إطار الرصانة والجدّ الذي يجب أن يسيطر على تصرفاتنا وأقوالنا. فقولك: "وإني أرى في جعل مديرية سيراليون مديرية مستقلة ومنفصلة عن الشاطىء إفلاساً سياسيًّا ممتازاً وسوء إدارة باهرة" يخرج باننقادك عن توخّي الإصلاح وتبيان أفضلية إبقاء مديرية سيراليون تابعة لمنفذية أفريقية الغربية أو لمنفذية الشاطئ الذهبي إلى نوع من التهكم أو من الاستخفاف بنظر الإدارة المركزية التي أقرّت فصل المديرية المذكورة وجعلها مستقلة، ومن عدم إقامة وزن للاعتبارات التي استندت إليها تلك الإدارة، بصرف النظر عما إذا كانت قد أحسنت استنتاجاتها أو لم تحسنها، وهو غير جائز عرفاً فى المخاطبات الإدارية بين المرؤسين والرؤساء، منعاً لتحكم الوجهات الشخصية في الإدارة وللإقلال من هيبة المراجع الإدارية. ولو أنك جعلت عبارتك هكذا، مثلاً: "وإني أرى في جعل مديرية سيراليون مديرية مستقلة ومنفصلة عن منفذية الشاطىء الذهبي تدبيراً يضعف قوة هذه المنفذية ويقلّل من النشاط القومي الاجتماعي الذي بلغ هذا الشأو في أفريقية الغربية بفضل وحدة الصفوف في وحدة الإدارة، وأعتقد أنّ نتيجة هذه التجزئة الإدارية ستقوي روح النزعة إلى زيادة الميل نحو الإكثار من الإدارات الصغيرة المستقلة التي ترهق الإدارة العليا وتقوي النزعات الفردية في صفوفنا القومية. ولست أقصد من هذه الملاحظة غير إبداء رأيي في مسألة إدارة للعمل السوري القومى الاجتماعي في أفريقية الغربية الذي اختبرته بنفسي مدة عدة سنوات. وإني أعلم أنّ فوق رأيي رأي أعلى وأرجو أن لا تؤدي هذه التدابير الإدارية الجديدة إلى ما أخشى وقوعه". لو وضعت عبارتك بهذا الشكل لأظهرت انتقادك بمظهر تعميري لا يتوخى غير مصلحة الحركة ويبعد عنه كل استخفاف بالمسؤولين الأعلين فلا يلذع ولا يذهب بالغاية الحميدة منه.
أما عدم إجابة حضرة رئيس المجلس الأعلى الموقر على كتابك فلست أشك في أنه نتيجة ازدحام الأعمال والقضايا السياسية عليه هو يحمل الآن العبء الأكبر في تدبير الأمور وتدبر المواقف السياسية فى هذا الظرف الدقيق، والقوى منصبّة على درس معركة الانتخابات المقبلة والتهيؤ لها واتّقاء الدسائس والمكائد الخطرة. ومن الأدلة على ذلك أني أنا نفسي بقيت أنتظر أكثر من شهرين إلى أن وردتني رسالة أخرى منه بعد كتابه الأول، حتى خشيت هذه الإطالة وصرت أحسب لانقطاع الاتصال مع المركز هذه المدة الطويلة نسبيًّا الحسابات العديدة. ويجب أن نعلم أنّ الإدارة لا تملك غير آلة كتابية واحدة بالحرف العربي، وأنّ أشخاس العمد تبدلوا فى المدة الأخيرة ونقص عدد العاملين في الدوائر العليا بسبب سفر الرفيق غسان تويني إلى أميركانية، وسفر الرفيق أسد الأشقر إلى مصر حيث نشر كتابه من صميم لبنان الذي يحتوي مقالات أدبية جاري فيها الوضع اللبناني الحاضر كل المجاراة ومدح في بعضها شخص رئيس جمهورية لبنان الحالي وملك مصر، وترك الدكتور كريم عزقول الأعمال الإدارية لعزمه على السفر أو لأسباب أخرى عارضة وغير ذلك. وجميع هذه الأسباب وما يتعلق بها وحالة الوطن السياسية كلها توقّر الإدارة الحزبية وتبرز تأجيل النظر في بعض المسائل الإدارية المحدودة في بعض فروع عبر الحدود. ولكن الأمور لن تبقى على هذا الشكل، خصوصاً وإني أسعى الآن لأجعل عودتي إلى الوطن سريعة.
هذا الموضوع – عودة الزعيم، هو أهم ما أريد أن أكتب إليك فيه.
بعد اتصال الرفيق غسان تويني بي وإرساله تقريراً مسهباً عن حالة الوطن وحالة الحزب، وبعد ورود أول كتاب رسمي من رئاسة المجلس الأعلى الموقر تلاه نسخة مذكرة قُدّمت إلى الحكومة اللبنانية بطلب إصدار جواز سفر باسم الزعيم لينتقل حيث يشاء وليعود إلى الوطن، وكتب قليلة من مكتب عبر الحدود، انقطع الاتصال من جهة المركز بي مع أني أرسلت أكثر من كتاب واحد جواباً على كلما ورد من المركز، حتى خشيت عدم وصول رسائلي وابتدأت أكتب إلى أميركانية ومصر، وكنت على وشك الكتابة إليك للاتصال بالمركز بطرق متنوعة تأميناً للمواصلات. وفي هذه المدة التي جرى فيها الانقطاع لم أقدم على مباشرة إنهاء أعمالي التجارية لعدم يقيني من إمكان العودة، ولأني كنت أنتظر المعلومات الوثيقة الأخيرة من المركز، وهذه الفترة أخّرت نوعاً سرعة تدابير الزعيم للسفر. أخيراً وردني من نحو عشرة أيام كتاب من حضرة رئيس المجلس الأعلى الموقر كتبه بخط يده بعد نحو ساعين من انتهاء جلسة المجلس الأعلى التي بحث فيها أمر عودة الزعيم وتقرر طلب عودته "بمنتهى السرعة"، على أن يسعى الزعيم بنفسه لإتمام معاملة حصول جواز سفر له إما بواسطة قنصلية لبنانية في البرازيل أو في أميركانية أو في مصر، وهذا يعني مخابرة مع سان باولو البرازيل لمعرفة هل بالإمكان الحصول على جواز سفر من القنصل هناك ثم استحصال "جواز مرور" موقت للوصول إلى البرازيل أو إلى مصر حيث يمكن إتمام معاملة جواز السفر. وفي ذلك من إضاعة الوقت ما فيه، والظاهر أنّ الحكومة اللبنانية تريد التطويل في عودة الزعيم وإقامة ما أمكن من العراقيل في وجهه إلى أن يمرّ وقت الانتخابات المقبلة، على الأقل، ولا أمل أكثر بالحكومة الشامية. فعليّ إذن الاعتماد على خططي وأعمالي ومجهود القوميين الاجتماعيين عبر الحدود.
الوجهة المالية هي أهم وجهة. فقد ابتدأت تقويض المحل التجاري الذي بنيته بعد أن هدمته سرقة الأثيم الخسيس المدعو جبران مسّوح. ولست أدري ما تكون نتيجية التصفية النهائية عند بيع المحل، إذا تقدم شارٍ في هذه المدة أو حين التصفية بصفقات بخسة، ولست أعلم مبلغ الخسائر من ديون وغيرها التي أتعرض لها بسبب السرعة. لذلك يجب عليّ الاعتماد على احتياطي من المال لتأمين حركات الزعيم وتنقلاته ولسد أية ثغرة تنفتح عليه بسبب تصفية أعماله السريعة.
كل ما أرجوه من تصفية أعمالي أن أتمكن من إعادة المبلغ المقترض من ابن حمي، والخسائر الأخرى لا يعود لها أهمية كبيرة، وتبقى مسألة ترك شيء يسير لعائلتي التي تنتقل إلى السكنى في بيت حماتي وابنها وابنتها الأخرى في بونيس آيرس بانتظار دعوتي لموافاتي إلى الوطن.
كنت قد سألتني هل أنا بحاجة إلى مال وعرضت عليّ إرسال أي مبلغ قد أحتاج إليه من المنفذية أو منك شخصيًّا، وأجبتك أني شخصيًّا لا أحتاج إلى شيء. هذا الموقف سيتغير حين أصفّي أعمالي التجارية وتصبح كل حركاتي وأعمالي رهن الحركة. حينئذٍ سأحتاج إلى المال للأعمال التي من شأن الزعيم القيام بها لمصلحة القضية القومية الاجتماعية المقدسة. وأول ما يجب تأمينه هو المال اللازم لحرية تنقّلي وعودتي إلى الوطن، وأني أطلب ذلك من جميع الفروع عبر الحدود، كل فرع على قدر استطاعته ويجب ألا يدخر شيء لاعتبارات وهمية سقيمة هي من مخاوف النفسية اللاقومية. فإن ما يحتمل أن يزيد على حاجة نفقات التنقلات الضرورية فهو يبذل في حاجة الحركة الماسّة في الوطن لزيادة دعاوتها في هذا للوقت استعداداً للمعركة، بل المعارك المقبلة، ولزيادة ضبط الإدارة وإعداد الصفوف فيجب على جميع القوميين الاجتماعيين التصرف وفاقاً لروحية الجهاد ويإدراك واضح لدقة الموقف وللفرص الثمينة التي يجب اغتنامها.
إنّ مسألة عودة الزعيم ووجوده في مركز القيادة على رأس دائرة أركان الحرب هي مسألة أولية للقضية المقدسة، ويجب على جميع السوريين القوميين الاجتماعيين عبر الحدود وفي الوطن التعاون وبذل الجهد لتحقيق هذه الضرورة.
فأحب أن أعلم ما هي الكمية التى تقدر منفذية الشاطىء الذهبي ومديرية سيراليون أن تضعها في مدة وجيزة تحت تصزفى لترسل إلى الأرجنتين أو البرازيل أو إلى أي مكان آخر أشير به. وقد أحتاج هنا بادىء بدء نحو منة استرلينية. فهل في الإمكان إرسال مثل هذا المبلغ أو ما يدانيه فى أواسط أكتوبر/تشرين الأول المقبل؟
مثل هذه السؤالات أوجّه إلى البرازيل وأميركانية ولست أدري ما سيكون الجواب وبأية سرعة يمكن تكوين مبلغ مالي يستحق الذكر
في هذا الصدد يخطر في بالي ان أعلّق تعليقاً سريعاً على حركة جمع المال من النزالة في الشاطئ الذهبي لنجدة حركة الشعب التحررية، فأعتقد أنّ الألفين وخمس مئة وسبعين استرلينيًّا كان إجدى لنهضة الأمة لو حُوّلت إلى الوطن باسم لجنة من أركان الحزب أو مختلطة، على الأقل، منهم ومن أمثال المير أمين مصطفى أرسلان وبعض المحبذين. وكان ذلك أنفع من اكتساب بعض عناصر يمكن اكتسابها بعد مدة قليلة باشتداد ساعد الحزب في الوطن. فإنّ أهم ما يعوزنا هو المال وقد آن لنا أن نهتم بهذه الناحية العملية. وكل مال يجمع ويرسل إلى الحكومات الرجعية في الوطن تستعمله هده الحكومات لمحاولة خنق الحركة القومية الاجتماعية فكأننا نعطي سلاحنا لأعدائنا. أمامنا مشاريع هامّة يمكن إثارتها لحشد القوة المالية.. تنظيم الدفاع عن الإسكندرونة، تنظيم الدفاع عن فلسطين، مدّ المدارس القومية الروح في أنحاء الوطن.
لست أدري هل تساعد الظروف على المرور بالشاطىء الذهبي؟ أرجو كل الفلاح.
هل سافر الرفيق أمين الأشقر إلى الوطن ليبقى أم ليعود إلى الشاطىء؟ ولتحيى سورية.