‎إلى معروف صعب

21/9/1946 ‏
‏ إلى الأمين الجزيل الاحترام معروف صعب
دمشق


‏رفيقي الحبيب الأمين،
تسلّمت اليوم كتابك المؤرخ في 13 يوليو/تموز الماضي الذي استغرق وصوله شهرين، وكنت أنتظر وصوله من زمان، فسررت به كثيراً ويوصفك للحالة الحزبية الحاضرة وصفاً تناول بعض القضايا الهامّة من عقائدية وإدارية وسياسية وشخصية.
إنّ قلقي على مصير الأمة في التيارات السياسية الجديدة، وجزعي على الحركة القومية الاجماعية وهي تواجه هذه التيارات بعد ما أصابها من إرهاق وتضعضع قوى شديدان جدًّا ويصعب وصف مبلغهما بالكلام، ولكن تغلّب النهضة السورية القومية الاجتماعية على الصعوبات العظيمة التي تعرضت لها يدل على متانة عقيدتها ورسوخها في النفوس وعلى أهليتها للبقاء والانتصار.
إنّ فترة المرارة والحيرة تجاه الأساليب السياسية الاختبارية الجديدة لن تطول كثيراً وسيعقبها عود الحرارة والثقة والعزم مع الوضوح والصفاء. فإني جاد الآن في تصفية أعمالي الخصوصية التي قيدتني بها بيئة مهاجرينا الفاسدة في هذه البلاد، الأرجنتين، وسأفعل كل ما في مقدوري لأجعل سفرتي قبل ديسمبر/كانون الأول المقبل لأعود إلى ‏‏وسط جيش الجهاد القومي الاجتماعي بأسرع ما يمكن. ليس شوقكم إليّ بأكثر من شوقي إليكم، وإنّ ما أعانيه هنا، من الوجهة النفسية، يصعب كثيراً أن تتصوروه أو أن يخطر لأحد منكم في بال.
إنّ موعد وصولي إلى الوطن ستعرفونه، وإني سأكتب إلى رئاسة المجلس الأعلى فى ذلك وفي الترتيبات الواجب اتخاذها لإعداد الحزب ليوم اللقاء والاجتماع، مع إبقاء الأوساط الخارجة عنه في جهل من حقيقة الموعد إلى أن يقترب اليوم ويصبح الوصول أكيداً. ويجب أن لا نرتكب هذه المرّة الأغلاط الماضية التي حرمت الحزب، ثم عدة مناسبات، من الشعور بقوّته وإظهارها، بناءً على بعض اعتبارات سقيمة تمسكت بها نفوس بعيدة عن البطولة وقريبة من الأغراض الشخصية الدنيئة، وكان أخيراً نصيبها الفشل والخيبة والطرد. عندما حان موعد خروجي من السجن الأول في مايو/أيار سنة 1936 كتبت من السجن إلى الإدارة الحزبية أقول إني أريد أن أرى الحزب وقوته في يوم خروجي، وكان على رأس الإدارة صلاح لبكي، الذي كان يريد التوفيق بين العمل القومي الاجتماعي والغايات الشخصية. فقرر مع احتشاد الحزب من جميع المناطق لاستقبال الزعيم وأن يأتي القوميون الاجتماعيون فرقاً صغيرة للسلام على الزعيم ويكون لكل فرقة دور وساعة معيّنة في يوم معيّن، فتوزعت قوات الحزب وظهرت كأنها شراذم قليلة صغيرة ليست ذا خطر في الشعب. يجب نبذ تلك الحكمة الجبانة وكل تدابيرها ويجب حشد جميع القوات الممكنة، من جمع مناطق سورية القومية لتشترك في إظهار حقيقة الأمة وقوة نهضتها الجبارة.
إنّ صحتى ليست كما أود وأعصابي التي أضناها استنزاف القوى بلا هدنة لم تعد إلى حالها الأول. وما لقيته مؤخراً من عقوق وخيانة وغدر، وما اضطررت لبذله من مجهود للتغلب عليها وحدي بلا أعوان لم يمكنني من اطراد التحسن من الاهتمام بحالتي الصحية، بل قد طرأ مؤخراً عارض جديد هو ألم عضلي أو فيزيائي في القلب، يغيب مدة ثم يعود وزوجتي تعتقد أنه نتيجة التعب والمجهود الأخير وإني أرجو أن يكون رأيها صائباً، وإنّ الراحة في السفر - إذا كان فيه راحة - والارتياح إلى العودة إلى الوطن و إلى
رفقاء العقيدة والجهاد سيذهبان بهذا العارض.
قرينتي الرفيقة جولييت تشترك معي في إهدائك وقرينتك الرفيقة أدال السلام القومي، وأرجو أن يكون اجتماعي بك وبالرفقاء في الوطن قريب جدًّا. ولتحيى سورية.
بعد: مرفق بهذا الكتاب كتابين الواحد للرفيق رئيس مكتب عبر الحدود والثاني للرفيق أكرم الحوراني. أكلّفك إرسالهما إلى الرفيق جبران جريج رئيس مكتب عبر الحدود أو إلى الأمين الجزيل الاحترام نعمة ثابت.

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.