قبرص، 1/7/1938
عزيزي عبد الله،
وردني كتابك صباح اليوم فكان صدمة قوية لي مرّرت نفسي كثيراً. فالكتاب يعبر عن خيبة عظيمة في فهمك السياسي، مع الاحتفاظ بقيمة فهمك الحقوقي وخبرتك القضائية.
قد يكون فتح الذئب شدقيه «إنذاراً» في تعبيرك. ولكن هل من الحكمة مد عنقك للنواجذ البادية؟ وما هو ضامنك أنّ هذا «الإنذار» لا يتحوّل إلى تنفيذ بحكم المؤامرات الخفية الجارية ضد زعيمك وضد القضية؟
أنا لا ألومك على هذه الاستنتاجات السخيفة المبنية على الأمور الظاهرة والمسائل الشكلية. فإن الوقت القليل الذي يبقى لك عادة لإعطاء الأمور الباطنة والقضايا الأساسية حقها من الاهتمام يكفي للتفكير في أبسطها فكيف بأعمقها وأشدها تعقداً؟
أنت تقول: قال المستنطق وجرى كذا ولو كان في الأمر خطة مقرّرة لنفذت، ولا تفطن إلى أنّ المؤامرة المدبّرة بشيء كثير من العناية تريد شيئاً غير اعتقال معاوني نعمة ثابت.
أما قولك: «يظهر أنّ الحالة لم تتوتر لدرجة إرغام هذا الأخير (المدعي) أو الحكومة لاتخاذ تدابير ضد الحزب بأجمعه أو ضدكم (ضدي) وضد العمد. لأنه لو شاء ذلك لأوقف الرئيس (ثابت) دون تأخير، لأنه لا يعقل أن يكون تقرّر أمر وأن يكون عدم وجودكم حائلاً دون تنفيذ ما تقرّر، لأن هذا المظهر من دلائل ضعف العدلية تجاه الحكومة، ولا يرضى به المدعي العام مطلقاً» فمن أسخف الاستنتاجات التي عرضت لي في حياتي.
فإذا كنت أنت لا تعطي زعيمك التقدير الذي يستحقه وتسمح لنفسك بالقول إنّ عدم وجودي لا يكون حائلاً دون تنفيذ ما تقرّر فإن الحكومة أحسن منك تقديراً لأنها أصبحت تعرف بعد اختباراتها الطويلة كيف تضرب وبمن يجب أن تبدأ بالضرب.
وأنا أقول لك إنّ الحكومة لن تجسر على مد يدها إلى أصغر قومي قبل أن تطمئن من إلقاء القبض عليّ. وأما قولك: إنّ المدعي العام لا يرضى، الخ. فيدل على أنك تجهل الحكومة وتجهل المدعي العام وتجهل أنّ قضية الحزب ليست قضية عدلية وتجهل أنّ الأمر أمر مؤامرة شرّيرة تشترك فيها عناصر عديدة تتألب الآن على محاربتي أنا حتى الموت.
فأنت تكتب كأنك تجهل ما فعلته مقالاتي في النهضة بالنواب من «دستوريين» و«اتحاديين» وكأنك تجهل وجود عزيز الهاشم ونجيب الصائغ وعارف الغريب وفخري البارودي وصلاح لبكي وصلاح منذر وشارل عمون وحميد فرنجية وبشارة الخوري والطاغية الكبير [إميل إده] والجزويت والشيوعيين والمكتب الثاني، الخ.
وكأنك تجهل مقالاتي في السياسة الخارجية وفي صدد الإسكندرونة ولواء الجزيرة وكأنك تجهل أنّ هذه الحركة القومية التي أقوم بها هي الخطر الوحيد الحقيقي على كل سياسة استعمارية وكل سياسة نفعية في الوطن. وكأنك تجهل كل الجهل حقيقة الأمور وقيمتها. الحقيقة أني لم أر في حياتي استخفافاً بأخطر الأمور كالاستخفاف البادي في كتابك.
تبقى قضية جبرائيل منسى فهذه أريد أن أحملك كل مسؤولية ما تجرّه من الذيول أمام المجلس الأعلى ومجموع الحزب. فإني قد كلفتك بصورة رسمية الاهتمام بها بسرعة فائقة. وفي مدّة لا تقل عن عشرة أيام لم تتمكن من معرفة مقر الأوراق رغماً من إلحاحي عليك مكرّراً.
بل إنك ضرب لي موعداً للذهاب إلى مخفر البرج في حين لم تكن متحققاً من وجود الأوراق هناك، والمدّة التي مرّت تُظهِر جلياً أنّ اهتمامك بقضية زعيمك في ظروف من أخطر الظروف كان في ساعات الفراغ وبطريق العرض، لأنه لا يعقل مطلقاً أن تكون كرست نصف نهار أو نهاراً كاملاً في البحث والملاحقة حيث يجب دون الحصول على نتيجة.
إذا أدت قضية جبرائيل منسى المزيفة إلى إعادتي إلى قبضة أعدائي أو إلى أي نكبة تنزل بالحزب، فاعلم أني أحملك مسؤولية جميع ما يجري، أمام الحزب وأمام التاريخ، وحينئذٍ يمكنك أن تبيع جميع ما تملك وتهبه للفقراء، وتنتحر أو تنزوي في مكان مجهول وتكتب المجلدات الضخمة لتبرر تهاونك ولكن لن تستطيع غسل العار الذي يلحقك. إذا أُعدت فتكون أنت الذي سلّمتني!
إنّ محاولتك تقليل أهمية الحوادث هي من أغرب الأمور فحذار يا عبد الله من الهزل والاستخفاف في معرض الجد.
إنّ استنتاجاتك من الوجهة المختصة بالمحامين لا بأس بها ولكنها من الوجهة السياسية، من السذاجة بحيث تدعو إلى الدهشة ولست أدري إذا كنت، بعد هذا الاختبار الطويل، أتمكن من الاعتماد عليك وعلى ساعات فراغك في منع قضية جبرائيل منسى من أن تصير قضية جدية مع أنها قضية لا تستند إلى أساس!
إني أحمل ما أحمل من أعدائي ومن أعواني في سبيل سورية.
فلتحيى سورية!