20/10/1939
رفيقي العزيز جورج،
وردني كتابك المؤرخ في السابع من الجاري ولم أتمكن من إجابتك عليه في الحال، نظراً للأشغال الكثيرة التي عرضت لي في المدة الأخيرة، ونظراً لحالتي الصحية التي لم تتحسن كثيراً بسبب افتقاري الشديد إلى الراحة منذ نحو سنة ونصف. وبدل الراحة أحصل على متاعب تتزايد باتساع نطاق الأعمال، خصوصاً متى كان المعاونون لا يحسنون القيام بمهماتهم كما حدث في صدد الرفيق [رشيد] شكور الذي جعل الجريدة لسان حاله هو شخصياً، وصار ينشئ بدعاً فكرية جديدة تحدث بلبلة في الصفوف القومية وتضعف موقف الحركة القومية تجاه الرأي العام السوري وفي الميدان السياسي. وقد أزعجتني كثيراً هذه الحالة وأنفقت جهوداً كثيرة في معالجة موقف شكور وحمله على تفهّم التوجيهات والعمل بها، ودرس عوامل النهضة القومية وشرحها. وكل ذلك كان عبثاً، حتى يئست من حالة الجريدة، خصوصاً بعد انتهاجها خطة التطبيل لكل ما هو هتلريّ أو موسولينيّ، ونشرها صور هتلر وموسوليني بكثرة، وقبل أن تكون قد نشرت صورة واحدة عن الحركة التي تزعم أنها تمثّلها. وكان من وراء ذلك أن أظهرت الجريدة الحركة السورية القومية كحركة تسير على تعاليم النازية والفاشستية، وتسير وفاقاً لسياسة هتلر وموسوليني، وليس لها سياسة خاصة، وهو أمر محطّ بمعنويات الحركة وهادم للبناء الذي أنفقت حياتي في وضع أسسه وتشييده. فكان كل عدد يصدر من سورية الجديدة يسبب لي هماً يزيد في الضغط على أعصابي المتعبة.
وكانت آخر محاولة لي لإنقاذ موقف الجريدة بصفتها حاملة طابع الحركة السورية القومية هي إنشاء المجلس الإداري، وحتى الآن لم يقم الدليل على أن هذا المجلس ناجح في ممارسة صلاحياته والاضطلاع بمسؤولياته، فأعماله لا تزال غير رسمية وعليها طابع الاجتماعات غير المسؤولة، وهذا الأمر يقلقني ويزعزع موقف الجريدة. ومما لا شك فيه هو أني كنت أرى المصير الذي سيصير إليه المحرر السابق، ورأيت أن أعدّ العدة لذلك فأوعزت إلى الرفيق حسني عبد المالك بمراسلة سورية الجديدة لاختبره وأعطيه التوجيهات اللازمة ليتمرن عليها. ولكن المسؤولين في سورية الجديدة رأوا أن لا ينفّذوا هذا الأمر وأن يتدخلوا في تدابيري، فكانوا يؤخرون نشر رسائل الأستاذ عبد المالك ويرسلون توجيهات إليّ أنا في كيف يجب أن تكون الرسائل، وهكذا أفسدوا عليّ خطتي وتدبيري.
والآن أرى نفسي مع الجريدة في موقف ضائع، فلا أعلم إذا كان المجلس هو المسؤول أم إذا كنت أنت الشخص المسؤول، أو إذا كان الرفيقان فؤاد [بندقي] وتوفيق [بندقي] هما المسؤولان. وهكذا لا أدري إذا كانت كتابتي إليك أو إلى توما [توما] أو إلى المجلس هي الكتابة الرسمية النهائية.
بعد نشوء المجلس أصبح هو الهيئة الرسمية التي يجب عليها مخابرتي بصورة رسمية في كل ما يتعلق بشؤون الجريدة. وهذا لا يعني وجوب انقطاع المراسلة الشخصية بيني وبينك، ولكن هذه المراسلة تتخذ صفة غير صفة العلاقات الرسمية الإدارية التي تبقى من خصائص مجلس الإدارة. وإني أريد من هذا المجلس أن يخابرني بصورة رسمية، وأن أعلم أنه أسّس أعماله بصورة نظامية، فاشترى دفتر وقائع جلسات وضبط أعماله وسجلها بدقة، وسجّل المراسلات بيني وبينه والتوجيهات التي أرسلتها.
ولكي أسهّل عليه تنظيم أعماله عينت الرفيق فؤاد رئيساً له والرفيق إلياس [بخعازي] ناموساً، فأطلب من الرئيس أن يراسلني بنفسه أو بالإشتراك مع الناموس، لأشعر أن العمل نظامي يجوز معه العودة إلى بذل الجهد، وبغير هذه الطريقة لا أكون واثقاً من أن العمل يوازي الجهد الكبير الذي أبذله في هذه الظروف التي أحتاج فيها إلى كل دقيقة من الوقت.
إني الآن في حاضرة ولاية توكومان قدمت إليها أول أمس برفقة الرفيق جبران مسوح، وهنا جالية سورية راقية بالنسبة للمجموع السوري في هذه البلاد. وبعد نحو يومين سأنتقل إلى الحمامات المعدنية القريبة من هنا للتخفيف عن أعصابي. وفي هذه المدة التي أقضيها في الحمامات سأرتاح قليلاً من العمل. فتكون هذه أول فرصة أرتاح فيها منذ سنين من الجهاد المضني.
إني قبل مغادرتي بوينُس آيرس كلّفت الرفيق حسني عبد المالك مراسلة الجريدة بالمقالات والرسائل من جديد فأكد لي أنه سيفعل. وسيرسل المقالات دون أن أطّلع عليها، وبدون توجيهات دقيقة مني لبعدي عنه، ولعدم تمكّني من متابعة هذا العمل الآن وحاجتي الماسّة إلى الراحة. ولكني أثق برصانته واتزانه. فإذا حدثت أغلاط فقد تكون خفيفة.
أنا لن أرسل إلى الجريدة شيئاً في مدة استراحتي ولكن أرسل الآن نبذة من أعمال فؤاد مفرج الذي مات (انظر ج 3 ص 427). وبهذه المناسبة أقول إن الخبر الذي نشرته سورية الجديدة عن موت هذا الشاب لم يكن رصيناً وفيه ما يخالف الحقيقة والاتجاه القومي. فالخبر الذي كان يجب أن يكون عادياً وبدون عبارة تجعل لشخص الميت أهمية ليست له في أوساط الوطن والمهجر.
عندما كان جميل صفدي يعمل في الجريدة خابرني في أمر نشر مختارات من مقالات النهضة وكنت قد كتبت إليه في ذلك، وتعجبت لماذا لم تنفّذ التعليمات التي أرسلتها. والآن أعود فأقول إن نشر خطب الزعيم ومقالاته تباعاً أمر إذاعي ضروري. وهو أهم عمل إذاعي تقوم به سورية الجديدة في هذا الطور: تعميم التوجيهات الفكرية التي أعلنها الزعيم في خطبه ومقالاته.
وفي هذه الفترة فرصة ثمينة يجب الاستفادة منها، وهنالك مناسبة هامّة لإصدار عدد ممتاز من سورية الجديدة في السادس عشر من شهر نوفمبر / تشرين الثاني القادم ففي مثل هذا اليوم من سنة 1935 أوقف الزعيم وأعضاء مجلس العمد وبعض الموظفين.
وكان ذلك إعلان وجود الحزب السوري القومي للعالم. وفي مثل هذا اليوم من سنة 1932 تأسس الحزب السوري القومي عملياً. فهو إذاً يوم تاريخي عظيم للحركة السورية القومية. فأطلب، إذن، الاهتمام بإصدار عدد مزدوج أو ممتاز يصدر في السادس عشر من نوفمبر / تشرين الثاني القادم، في اليوم عينه.
ويجب أن يحوي هذا العدد ما يلي:
1 ـ صورة الزعيم رافعاً يده بالتحية مكبرة. وهي الصورة التي أخذها المصوّر القومي في سنطس عند قدوم الزعيم إلى البرازيل. توضع الصورة في الصفحة الأولى وتنشر تحتها أبيات الدكتور وجيه بارودي المنشورة تحت صورة الزعيم لعدد أول مارس / آذار من جريدة النهضة ويوضع إسم وجيه بارودي كاملاً وتوضع في الأبيات كلمة «رضيّ النفس» بدلاً من «سريّ النفس».
2 ـ خطاب أول يونيو / حزيران سنة 1935 أي الخطاب الذي ألقيته قبل توقيفي المرة الأولى بنحو ستة أشهر (انظر ج 2 ص 2).
3 ـ قصيدة «الأسطورة» للشاعر القومي الأستاذ رشدي معلوف. قالها بعد خروجي من السجن الأول ومنشورة في عدد أول مارس / آذار من النهضة.
4 ـ مقال «الناحية الفلسفية من الزعيم» بقلم نصوح الخطيب. موجود في عدد النهضة.
5 ـ قصيدة زجلية للشاعر القومي الزجلي عجاج المهتار بعنوان «يا صبح الحياة» موجودة في عدد النهضة.
6 ـ مقال «لو لم يكن الزعيم هو نفسه» موجود في أحد أعداد النهضة (انظر ج 2 ص 52).
وهذا المقال يمكن أن ينشر على جانبي الصورة، في الصفحة الأولى. ويجب إصلاح كلمة ينفد في عبارة «صبراً لا ينفد» فالدال مطبوعة ذال معجمة وهذا غلط يجب إصلاحه. ويجب التدقيق الكلي في تصحيح مواد هذا العدد.
بلغني أن الجريدة لا تزال تقبل معاونة جميل صفدي وأنها نشرت له مقالاً في السياسة الإنترناسيونية. وبلغني أن رشيد شكور قال، حين طلب منه التقيد بتوجيهات الزعيم، إنّ الرفيقين فؤاد وتوفيق أبلغاه أن يجعلهما مرجعه الوحيد في الشؤون الإنشائية، لأنهما يعدّان نفسيهما صاحبي الجريدة المطلقين يتصرفان بها وبسياستها.
وأنا لا مانع عندي من أن يكون ذلك كذلك، ولكن يجب أن أعرف الحقيقة بسرعة. وأطلب أن يكتب إليّ الرفيق فؤاد في هذا الأمر لأني أريد أن تكون علاقتي بالجريدة واضحة، وألاّ تمتهن كرامة الزعيم فيصدر تعليمات يضرب [بها] عرض الحائط وألا تحدث خطيئة قومية من أحد.
عسى أن تتحسن صحتك بسرعة. سلامي لك وللرفقاء ولتحيى سورية.
عنواني هنا:
Jubran Massuh Z
Maipu 316
Tucuman.
Rep. Argentina.
يسلم القرار المرفق إلى اللجنة المفوضة لتبلغه.
إن زعيم الحزب السوري القومي،
بناءً على الصلاحيات الدستورية يقرر تعيين الرفيق فؤاد بندقي رئيساً لمجلس إدارة سورية الجديدة، والرفيق إلياس بخعازي ناموساً. فعلى اللجنة المفوضة تبليغ من يلزم.
