إلى جورج بندقي

 31/7/1940

الرفيق العزيز جورج بندقي،
تسلمت يوم الاثنين رزمة تتضمن عشرين نسخة من سورية الجديدة بالطيارة. ولو أن هذا العدد أو بعضه وردني منذ أسبوع وفيه بلاغا مكتب الزعيم لكان أعطى نتيجة أفضل بكثير.
كنت أتوقع أن أتسلم مع هذه الرزمة كتاباً منك تعتذر فيه من الزعيم عن الغلط الذي صدر منك، وأنت تقصد عملاً حسناً، وسببه عدم الخبرة وعدم فهم دقة النظام في هذه الشؤون. ولكنك قد تكون تنتظر مني أنا اعتذاراً إليك على اللهجة التي خاطبتك بها، ذلك لأن الزعامة والأمر والطاعة والصلاحيات والمسؤوليات هذه أمور ضائعة بين «الإحساسات» السريعة الانشعاب، وفوضى النظام الذي لم تمكنّي حالتي الصحية، حين كنت في البرازيل، من إعطائكم دروساً فيه. والذي أراه أن تساهلك في تقدير خطورة المسؤولية ناتج عن لغة المخاطبة الرسمية التي تستعملها معي، فهي لغة الرفقة والصحبة، لا لغة المسؤول تجاه السائل. إنها سهلة وتحمل، بالتدريج على الاستهتار وعدم التعمق، ومع أن نظرتك ليست، في الأصل، من هذا النوع، فيجب ألا ننسى تأثير العادة ونوع الحياة والتصرف. ولذلك أطلب منك أن تستعمل اللغة الرسمية في جميع المراسلات الدائرة على الأعمال والمسؤوليات. والاصطلاح النظامي للغة المخاطبة مع الزعيم هو أن يوجه الكتاب إلى «مولاي الزعيم» ويكون باسلوب التفخيم وبصيغة الجمع فتقول «أنتم، أوامركم السامية، ومعاليكم، الخ». هذه صيغة المخابرة الرسمية.
وكنت من قبل قد حبذت استعمال صيغة المخابرة الودية الشخصية بدون تكليف وبدون مراعاة الأصول الرسمية، ولكن هذا الأسلوب لا يجوز استعماله في الرسائل الرسمية والعملية، فيجب الاحتفاظ به إلى حين تريد مخاطبتي في أفكارك وآمالك وأميالك وشعورك، ولكن يجب تجنبه في المراسلات المختصة بالشؤون المقررة والنظامية، فهذه يجب العودة فيها إلى الأسلوب الرسمي لأن المخاطبة حينئذٍ تكون مع الزعيم، رأس الدولة القومية، في الوظائف والترتيبات العائدة إليه المسؤولية عنها.
إن تصرفك في أمر البلاغين، جعلك كأنك موكول إليك مشاركة الزعيم في التقديرات والاستنتاجات، ومن جهة أخرى يدل على أنك لا تقدّر الدقة في أوامر الزعيم، وتتصور فيه بعض الغموض وبعض التساهل في مسؤولياته. وهذا شيء يمسّ الزعيم مباشرة. ولذلك يجب أن تتعلم هذه القاعدة: إن كل أمر يريد الزعيم تنفيذه لا يترك مجالاً للالتباس فيه، ولا يترك أمر تنفيذه لاستنتاجات الرفقاء أو المأمورين. فلو كنت أريد تأجيل نشر البلاغين لما أبقيت لك مجالاً للشك في ذلك باعتبارك غير مسؤول عن تنفيذ ما لم يأتك أمر صريح به، ولكنت جعلت عبارة البرقية هكذا: «أجّلوا نشر البلاغين، أرسلوا نسخة بالبريد الجوي» ولكن عبارة البرقية الأولى كانت هكذا: «أخبروني عن وصول البلاغين، أرسلوا نسخاً بالبريد الجوي». وهذه العبارة لا تعني شيئاً غير ما هو واضح في نصها، ولا تعني مطلقاً توقيف التنفيذ. فكان يجب إخباري بوصول البلاغين وإرسال نسخ، فقط لا غير. وكلمة نسخ لا تعني ما فسرتها بها، فأنت قد أرسلت إليّ نسخة واحدة للبلاغين وسميتها «نسخاً»، ونسخة واحدة للبلاغين لا يمكن أن تعتبر نسخاً. فالنسخ يقصد منها التكرار لا عدد المواد المشتملة عليها النسخة الواحدة.
هذا اختبار لك عسى أن تستفيد منه، وقد كلفني أنا انزعاجاً شديداً نظراً للظروف التي تجهلها أنت.
والآن، ليخبرني أحد عندكم بنتيجة ما نشر، ويمكن نبش قبر أحد القوميين الأموات هناك ليقوم ويكتب إليّ شيئاً، وبعد ذلك يمكنه أن يعود إلى قبره بسلام.
عسى أن تكون بصحة جيدة وموفقاً.
ولتحيى سورية.

بعد رأيت أن أضيف، ختاماً للقسم الأخير من سلسلة المقالات بعنوان «الشهرة على حساب الحزب السوري القومي» (انظر ج 4 ص 84) المتعلقة بزكي قنصل، أي على ختام المقالة الثالثة والأخيرة هذه الجملة:
أما قول زكي قنصل إن الأدب «يجب أن يكون فوق المعتقدات البشرية وفوق المصطلحات الأرضية» فأسخف ما يمكن أن يتصوره عقل بشري اعتيادي كعقل زكي قنصل، وهذا النوع من التفكير هو حماقة ليس بعدها حماقة، ومصيبة من أكبر مصائبنا في الأدب والأساليب الفكرية.
وقد رأيت الآن أن أجعل الاسم المذيل بها سلسلة المقالات هكذا: «أعذر من أنذر» بدلاً من «منذر معذور» فانتبه لهذا.
إلى المدير:
يمكنك قسمة هذا الاستئناف للبحث الذي أرسلت إليك مقالته الأولى منذ أسبوع إلى قسمين: يكون القسم الأول تحت رقم 2 للدلالة على أنه المقالة الثانية والقسم الثاني بالعنوان نفسه تحت رقم 3 حيث وضعت له هذه العلامة في منتصف الصفحة الخطية الخامسة.
لا أذكر إذا كنت قد وضعت على المقالة الأولى الاسم المستعار الذي اخترته، فإذا لم أكن قد وضعته هناك فليوضع في آخر البحث فقط أي في آخر المقالة الثالثة. وقد أتابع هذا البحث وأعرض «الأدباء» آخرين وغيرهم من طلاب الشهرة.

 

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.