خطر لي ان أتلفن لك يوم الأحد الماضي، صباحاً أو مساءً، لاطمئنك عن سير حالتي الصحية وسبب تأخري في الكتابة اليك.ولكني قدرت انك تدركين السبب من كتاب ماض شكوتُ لك فيه من تأخر كتابيّ الحاوين ازهاري ومن عدم تمَكُنِك من كتابة كتابك الذي وعدتني بارساله وانتظرته. وبما اني كتبت الى الرفيقة أميليا وفي اليوم التالي لكتابتي اليها الى السيدتين مريانا الخوري ودعد نعيم قدرت انك تدرين بهذه الكتب ولا يعود هناك سبب لقلقك عليّ، وأبقيت مسألة التَلّفَنة الى الأحد القادم لأتمكن من مفاجأتك بخبر سار. فقد فكرت في انهاضك من سريرك، لاقول لك عمي صباحاً. وقد ساءني خبر تأخر كتابي اليك الذي أرسلته يوم الأثنين. فلما ورد تلغرافك أقمت انتظر حتى تصير الساعة 20.00 ظناً مني انك تكونين عدت الى البيت من أي شغل أو زيارة فحال بين صوتك وصوتي وجع ضرسك الذي أود ان يكون قد انتهى أمره على سلامة.
ان تحسن صحتي البيّن، في الأيام الاخيرة، جعلني أتوقع ان تكون أخباري المتقطعة أليك مفاجآت جميلة. شجعني على ذلك حالتي بعد الحَقْن ِ. في الكتاب الماضي أخبرتك بنتيجة الحقنة الأولى. ومع اني تعبت بصعود الجبل مع ضيوفي يوم الأحد وشعرت يوم الاثنين بذبول طبيعي من ارتخاء الأعصاب بعد التوتر، ومع اني لم أنم جيداً في ليل الاثنين – الثلاثاء، والأرجح بسبب أكلي برتقالتين كبيرتين قبل العشاء بنحو 40 دقيقة وهذا يعني زيادة بيتامين C في جسمي الذي أخذ كثيراً من هذا البيتامين بطريق الحقن، وقد يكون بسبب غير ذلك، فقد شعرت يوم الثلاثاء بتحسن ونشاط شجعني على أخذ الحقنة الثانية ¾ cc وخاطبت ديانا تلفونياً بعد الحقنة بنحو 40 دقيقة وكنت شاعراً بارتياح. وفي الليل شعرت بفعل الحقنة من غير أدنى اضطراب أعصاب أو انزعاج كما كان يحدث في بوانس ايرس فتفاءلت كثيراً وأدركت اني على طريق الشفاء الأكيد. وكنت أريد ان أكتب اليك اليوم وليس عندي سوى هذه الأخبار المفرحة، عن سير حالتي الصحية. ولكن حدث لي أمس حادث كنت أنا سببه. وذلك ان الطقس مال، أمس بعد الظهرن الى الحرارة. فبعد نهوضي من القيلولة نحو الساعة 16.45 لم ألبس "كنزة" أو صدرية الصوف وبقيت بالقميص والقميص الداخلية القطنية. وبعد الشاي خرجت الى فناء الفندق وجلست أقرأ وأنا لا أنتبه للهواء المار بي وفيه برودة، الا بعد حين فنقلت من موضعي وابتدأت أشعر بانزعاج قليل. وكان الطقس لا يزال جميلاً والشمس مشرقة والهواء ليس قوياً. ففكرت في تحريك جسمي قليلاً ورأيت أن أمشي الى الموضع القريب من هنا واسمه "كروز غرندي". ورأيت أيضاً ان لا آخذ صدرية صوفية خشية ان أعرق في الطريق ويلفحني الهواء البارد. فسرت، كما أنا، وكان يجب ان أكون أكثر تنبهاً واحتراساً. ولما رجعت ذهبت تواً ولبست صدرية صوف وغيرت جرابي من العرق. فشعرت بكفِّ الانزعاج وميل الى التحسن. الا اني بدأت أحس بعض الكركرة في معدتي وامعائي. وفي الليل نمت وغطائي حرامان جيدان من الصوف، بدلاً من ثلاثة، لأني كنت رفعت الواحد الى جانب السرير خوفاً من الحرارة والعرق في الليل. في هذا الصباح استيقظت باكراً عند الساعة 5.30 وأنا أشعر بمغص وألم في معدتي وامعائي. وطلبت الخروج. فخرجت مادة مخاطية معها لطخات قليلة من الدم. فعدت الى سريري وتغطيت جيداً ونمت حتى الساعة 7.30 فنهضت مرة اخرى. فخرجت مادة مخاطية قليلة. فذهبت تواً وتلفنت الى الدكتور حداد في بوانس ايرس وشرحت له مسألتي. فمنعني عن أكل اللحوم وشرب القهوة أو الشاي ووصف لي اللبن الخاثر ومنعني عن الحقن مدة 15 يوماً. فلما رجعت من التلفون طلبت الخروج مرة اخرى. وفي هذه المرة كان الخروج طبيعياً جامداًوليس فيه دلائل مادة مخاطية أو دموية فعدت بعد ذلك الى سريري حيث أنا الآن أكتب أليك هذا التقرير الطبي الذي كان بودي ان أكتب شيئاً غيره. ولا أزال أشعر بين الفينة والفينة بآلام في أماكن الالتهابات القديمة، أي نواحي المرارة والمعي الغليظ ولكنها ليست حادة.
حبيبتي، أني متأسف جداً لهذه الوعكة التي لم أقصد تسبيبها، وأود ان تكوني طويلة البال معي وان تسامحيني على عدم تنبهي.
الآن الساعة 12.20. وقد جسست جبيني ولم أجد حرارة. وجسست نبضي فاذا هو بين 95 و97 وهذا بعد الكتابة وخضّة هذا الصباح.
أني أرى، يا حبيبتي، ان سبب هذه الأغلاط هو العادة التي تكاد تكون مَلَكة فيّ من طول الوقت عليها. وهي عدم التنبه والتحوط لصحتي. واني أريد بكل قوتي التغلب عليها ولكن ذلك، على ما يظهر، غير ممكن دفعة واحدة وبدون ثمن.
من اختباراتي الأخيرة هنا يتبين لي:
1- ان أسباب عدم شفائي السريع ووصول الحالة معي الى هذا الموقف هي:
أ. اجهاد دماغي. ب. اجهاد اعصابي. ج. تعب جسمي العمومي.
وبالحقيقة هذه أسباب مرضي. والمدة التي مرت عليّ في استمرار الاجهاد وأنا مريض لها ضلعٌ كبير في بلوغ هذه الحالة.
2- ان شفائي التام ممكن بمراعاة الشروط التالية:
أ. إراحة الدماغ. ب. إراحة الأعصاب. ج. إراحة الجسم. د.التنزه وتجنب الوعكات والانتكاسات. هـ. انتظام المعيشة والمعالجة المنتظمة.
وسأحاول بكل قواي تنفيذ هذه الشروط بما امكنني من الدقة. وما دُمتُ في حالة انزعاج، مهما كانت هينة، فسأواصلك بتقاريري الطبية كل يوم، لكي لا يفوتك شيء.
متى أحببت ان تخابريني تلفونياً فأنا أكون دائماً على الغداء بين الساعة 13 و 13.30 وعلى العشاء بين الساعة 20.30 و 21.00، وفي الصباح يمكن مخابرتي الساعة 8 أو 9 ةاذا غيرت المنهاج أخبرتك.
إني مُرسِل مع هذا الكتاب نسخة على الماكنة من الكتاب الذي أريد ارساله الى السيد رافلس. فأعطيه لجورج ليدرسه ويضع ملاحظاته عليه. واذا شاء الاجتماع بالرفيق الفرد شاكر ليدرسه معه فليفعل. ويمكنه الاتصال به بواسطة تلفون 73-4448. وليرجع اليّ النسخة في مطلع الأسبوع القادم اذا أمكن، لأني تأخرت كثيراً في الجواب.
حبيبتي! ان صورتك الى جانبي تؤنسني ونفسك القريبة جداً من نفسي هي على اتصال دائم معي. وكلما فكرت بك شعرت انك انت أريتني موقفي وحقيقة حالتي.
وكل تمنياتي هي ان يجيء اليوم الذي لا نعود نفترق بعده، على طول الحياة. وبهذا الشعور أقبلك، ولنثق دائماً بمصيرنا.
واسلمي لي يا ضيائي.
في 31 اكتوبر 1940