حبيبتي!

تسلمت أمس كتابك الأخير ففرحت به كثيراً وكان مؤنساً لي بقية يوم أمس فقد قرأته وتتبعت فيه أفكارك وشعورك. وكان ختامه حلواً وحاراً فملأ نفسي اغتباطاً.

سأخبرك أولاً عن حالتي الصحية ثم أعود الى غيرها. بعد ان أرسلت كتابي اليك أمس جاءني الغداء وكان مؤلفاً من سلق وبطاطا وجزر مسلوقه فأكلت منها مع القليل من الزيت. وكنت قد بدأت أشعر بارتفاع الحرارة. فنمت بعد الغداء. وبعد نحو ساعة على نومي جاءت صاحبة الفندق تحمل اليّ كتابي وتنظر ما احتاج فطلبت ميزان حرارة وأخذت حرارتي فاذا هي 38 ْ و c4. وارتفع نبضي الى نحو المئة. وصرت آخذ حرارتي كل ساعة تقريباًَ فاذا هي في صعود وهبوط. فبعد ساعة من المرة الأولى هبطت الى 38 ْ و 2. ثم عادت فارتفعت الى 38 ْ و 4 ثم عادت فهبطت الى 38 ْ وعند المساء أخذت في الهبوط ونزل معدل النبض. وقبل ان أنام، أي عند الساعة 23، كانت حرارتي 37 ْ و 5. واليوم حرارتي طبيعية 36 ْ و5 وقد زالت الآلام المُبرِحة من معدتي وامعائي. وكان أهل المكان وأكثر الضيوف لطفاء معي فزاروني عدة مرات وأظهر أصحاب المكان اهتماماً وعناية وهم يحضرون لي اللبن الخاثر والطعام الخفيف واعتقد ان الأزمة قد زالت والآن تعود صحتي الى التحسن.
انا باق الآن، قبل الظهر، في الفراش احتياطياً. الطقس في الخارج ابتدأ حاراً ولكن الريح تهب من الجنوب وقد حجبت الغيوم الشمس. فسأحترز من هذا الطقس.
لما وصلت الى هذا الحد جاءت الخادمة تريد اصلاح الغرفة والسرير فنهضت وذهبت الى الحمام فخرجت قليلاً. ونظرت فاذا قليل من المادة المخاطية مصطبغة قليلاً بالأحمر ومع هذه المادة خروج قليل الكمية. طبعاً لا يوجد شيء كثير في امعائي من أمس وقد عدت الى غرفتي بعد ان غسلت ولبست ردائي فوق بيتجامه وصدرية وجلباب البيت وجلست الى طاولتي بدلاً من السرير، اذ اني أشعر بتحسن وبتعب من الجلوس في السرير. حالتي الصحية تأخذ مجراها الطبيعي فلندعها الآن وأريد ان انتقل الى "الدروس العربية".
أول ما أريد أن أقوله هو انه يجب عليك، يا حبيبتي، ان تَعُدِّي اللغة العربية اللغة الأساسية التي تستندين اليها في التعبير عن أفكارك. وقد تضطرين لاستعمالها كثيراً في المستقبل. ولذلك يجب ان تهتمي كثيراً بدرسها والعناية بعبارتك. وهذه الدروس التي تأخذينها بالمراسلة هي دروس دقيقة، مع انها بسيطة والعناية بدرسها ومراجعتها مع الانتباه اليها حين تقرأين رسائل أو صحفاً تكون مفيدة لك وتغنيك عن قراءة ودرس كتب صرف ونحو مملة. ولا بأس الآن ان يكون في كل كتاب من كتبك أغلاط جديدة بشرط الا تتكرر الأغلاط السابقة. وأنا لم أصلح لك كل أغلاط الكتاب الأول، لأني أريد ان يكون الاصلاح بالتدريج وبموجب طريقة ترتيبية. فأنا آخذ كل مرة نوعاً واحداً أو نوعين من الأغلاط وأعطيك ضابطها ثم أنتقل الى غيرها. وهذا لا يعني ان غلاطك كثيرة وان عباراتك قد لا تكون مفهومة، بل يعني ان الأغلاط هي من حيث الاتقان. ولا أبالغ اذا قلت لك ان عبارتك أفضل من عبارة سيدات كثيرات قرأت لهم كتباً ومقالات. سأقتصر هنا، كما في الكتاب السابق، على الأغلاط الصرفية:
1- ال التعريف definite article لا تأخذ همزة مطلقاً على الألف الا اذا كانت في بدء الكلام أو الجملة الابتدائية. فلا يقال: "بألتلفون" بل يقال بالتلفون واذا حركناها بالشكل تكون هكذا بِالتَّلِفون ِ وتكون الوصلة على الألف.
واذا ابتدأنا جملة جديدة أولها كلمة التلفون كقولنا "التلفون مخرب" حينئذ نقدر همزة على الألف لنبدأ اللفظ بها فنقول "ألتلِفون" ولكن اذا وضعنا كلمة قبلها بطل استعمال الهمزة كقولنا "هذا التلِفون مخرَّب ".

2- تأسرتُ غلط وصوابها تأثَّرتُ، بالثاء لا بالسين. أعزُرني غلط وصوابها أُعذُرني بالذال لا بالزاي. التأخُّر هكذا يكتب ولا يكتب التئخر. "شعوري قويت على عقلي" أنت في هذه الجملة تفكرين بالانغليزيةن أي بكلمة feelings وبالعربية الشعور مفرد ولا يجمع فيقال هو الشعور ولا يقال هي الشعور وعبارتك يجب ان تكون هكذا "ولكن شعوري غلب على عقلي أو قوي على عقلي" وشعوري اليوم هو.

3- انك في كتابك هذا كررت، أحياناً، بعض الأغلاط التي أُصْلِحَت في الكتاب السابق كقولك: "أكثر من مرت" فكتبت مرة بالتاء الطويلة. وكذلك لَم تنتبهي جيداً الى شرح استعمال التاء فكتبت ساعاة بالتاء القصيرة وكان يجب ان تكون بالطويلة لأنها جمع فالتاء القصير للتأنيث تستعمل مع المفرد فقط وفي الجمع تصير طويلة هكذا: ساعة ساعات. تفاحة تفاحات. سيدة سيدات.
وتقولين أيضاً " تجرّعني"وهي ليست فصيحة والفصيحة تشجعني أو تجرئني. وتقولين كذلك "فسائستحسن الفرصة" وكلمة فسلئستحسن فيها غلطتان واحدة في كتابة الهمزة التي يجب ان تكون على الالف والأخرى تغيير مواضع أحرف فعل سَنَحَ وصوابها "فسأستسنح"لأن الفعل سَنَحَ وزيادة "أستـ" عليه لا تغير موضع حروفه. والاصوب في هذه العبارة ان تقولي و"انتهز الفرصة".

4- الفقرة الأخيرة من كتابك بليغة وليس فيها ولا غلطة واحدة. وقد لاحظت انك حفظت جيداً درس الضمير فقلت "هل شعرت بها وأنها" وهذا صحيح. وبهذا التعليق أختم درس الصرف. فالى الكتاب القادم.

حبيبتي، ماذا يقول الناس في بوانس ايرس عن "الزوبعة" ومقالاتها الجديدة وهل يدور شيء جديد على ألسنة الناس في هذه الأيام؟
بلغي عفيفة سلامي وقولي لها اني لم أتسلم الكتاب الذي قالت انها أرسلته اليّ من كَتَمَركه فقد يكون فقد أو انها لم ترسله.
تغديت الآن بقابلية. وهذه علامة حسنة. وأشعر بتحسن من ساعة الى ساعة. وقد أنهض قليلاً بعد الظهر وغداً أكون نشيطاً.
حبيبتي! اني سعيد جداً بوجودك معي. فأنك تجعلين الحياة لي غير ما كانت.
أقبلك وأشعر بقبلاتك المحيية وإسلمي يا ضيائي.
في 1 نوفمبر 1940
غداً أرسل كتباً آخر الى ادارة البريد بيدي.a

المزيد في هذا القسم: « حبيبتي حبيبتي! »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.