لم يكن بد من اجابة الرفيق جبران مسوح على كتبه الأخيرة اليّ فأرسلت اليه كتابين ومع الأخير أرسلت اليه المقالة الخامسة من "جنون الخلود" وهذه كتبتها هنا. ولذلك أخرت ارسال الصور والكتابة اليك حتى اليوم فأرجو ان تعذريني.
ان جبران مسوح هو كما كنت أثق به فهو بكليته للزعيم والقضية. وهو السوري القومي الوحيد في الأرجنتين الذي يمثل الروحية القومية ويفهم متطلباتها كما يجب واني موقن بأنك تشاركينني السرور لهذه النتيجة. وقد تفاهمت معه على مسألة "الزوبعة".
يوم الثلاثاء الماضي، أي اليوم التالي لأرسال كتابي الأخير اليك، استيقظت صباحاً فاذا الجو ممطر وفيما أنا ذاهب الى الحمام رأيت البَرد يتساقط ويتراكض على بساط العشب الأخضر فابتهجت به ووددت كثيراً لو كنت هنا تشاركينني الابتهاج بهذا المشهد الجميل، خصوصاً بعد ان سمعت في الراديو ان الحر شديد في بوانس ايرس وانه بلغ في ذلك النهار 22 درجة.
ظل الجو بارداً في الأيام الأخيرة واستمر تحسني الصحي ولكن جرى لي انزعاج هضمي خفيف ليل أول أمس ظننت ان سببه كان تأثير أعصابي من وضع يدي مدة تزيد على الخمس دقائق في مجرى قوي من الماء البارد ولكن كان السبب الحقيقي من أكل صحن خوخ مجفف مطبوخ طبخاً غير كامل. وقد تأكد لي ذلك من الانزعاج الهضمي الذي جرى لي أمس بعد الغداء فلم أتمكن من نوم القيلولة بسببه. وقد رأيت ان افرج انزعاجي بلعب التنس مع علمي ان ذلك غير موافق. وعلى العشاء اكلت شوربا وخضراً مسلوقة وصحن لبن مع سكر وتفاحة مشوية ولكن اللبن لم يكن كما يجب. وفي الليل قلقت مدة بسبب هذه العوامس. ولكن المسألة طفيفة وتزول سريعاً. وكنت قد عوَّلت على أخذ الحقنة اليوم ولكن سأرتاح وآخذها غداً. وقد أوصيتهم هنا ان يصنعوا اللبن الخاثر على طريقتهم، أي بحليب غير مفوّر. وقد أترك أكل اللبن الخاثر بالمرة.
النهار اليومجميل و"الكليمه" برود. ليل أول أمس، شاهدت القمر وأنا ذاهب الى غرفتي والى جانبه نجمة متألقة وعلى الاثنين وشاح من السحاب الرقيق وأمامهما الجلد نقيّ صاف. وليل أمس كان الجلد كله صافياً والقمر بهياً وعلى مقربة منه كوكبان متقاربان الواحد منهما أكبر حجماً وأشد لمعاناً وهو شبه النجمة التي كانت الى جانب القمر في الليل السابق، ولعله هي بذاتها، والكوكب الثاني صغير الحجم وقليل اللمعان وهو مشمول بضوء الكوكب الأول. وجدت في هذين المشهدين الفلكيين رمزاً جميلاً. فلما دخلت غرفتي وانطرحت على فراشي وجدتني محمولاً على أجنحة الأحلام.
حبيبتي، الصور المرسلة مع هذا الكتاب أخذتها بعجلة لأرسلها اليك ولست راضياً عنها كلها ولكنها تريك لمحة ننا أنا فيه هنا. والصورة في النافذة تظهر القميص فقد كنت لابسه.
اني أعارك الظروف والناس بصورة مستمرة ولابد من اجتياز صعوبة هذا البعد. وأني اشعر ان الانتصار أصبح قريباً.
وأريد منك، يا حبيبتي، ان تصمي اذنيك وتطبقي عينيك على ما يجري في محيط بوانس ايرس. وقد أوصيت جبران مسوح الاَّ يلتفت الى شيء من كلام وأعمال الصعاليك. ولنهتم بتهيئة أسباب حياتنا المقبلة.
كنت أحب ان أعلم من هنَّ السيدات القوميات اللواتي كن عندك لبحث مسألة حفلة للجمعية فمعرفة اسمائهن تفيدني فاذا أحببت فاكتبي لي اسماءَهن في كتابك التالي.
أقبلك بعميق شعوري ولتحرسك العناية
في 15 نوفمبر 1940