وردني كتابك الأخير المؤرخ في 23 نوفمبر الجاري فلما فضضت الغلاف ورأيت خطك السوري تنفست الصعداء وأخذني السرور كحين تسلُّمي كتابك السوري الأول الذي شعرت، بعد قراءته، اني أريد ان أقبلك لأجعلك تشعرين بالسرور الذي أحدثه في نفسي. ولا أكتمك ان كتابك السوري الأول كان جيداً ولا يحتاج الى صقل. ولكن الكتب التي جاءت بعده كانت أقل حظاً منه من عنايتك.
ذهبت هذا الصباح الى موضع هنا يقال له "راس الجندي" لوجود صخر يظهر من أحد جوانبه بمظهر جانب رأس انسان مُسجّى. فصورته ثلاث مرات وسأرسل اليك الصور في الكتاب التالي. واني أكتب الآن بعد رجوعي والوقت الظهر.
بقدر ما سررت بكتابك تأثرت لأنك وجدت نفسك كأنك محتاجة لتأكيد قوميتك وشعورك القومي لي وفهمك أيّاي في رسالتي. اني عندما قلت لك اني أحب ان تفهميني من هذه الناحية لم أّعن ِ ان تفهمي روحيتي فهذه لم يكن عندي شك بأنك تفهمينها ولكن عنيت ان تفهمي موقفي وشعوري من بعض الأمور والحوادث.
وبما انك، يا حبيبتي، قد تنبهت لهذخ الناحية وعوَّلت على جعل السورية لغتك الرسمية والبيتية فاني سأشدد عليك بوجوب العناية بلغتك والاجتهاد في درسها والتمرُّن على كتابتها كتابة صحيحة، خالية بقدر الامكان، من الأغلاط لأنك قد تحتاجين، في حياتك الجديدة، الى الكتابة بها في مواقف تودين فيها لو انك متمكنة منها. فاذا جربت ان تكتبي دائماً بعناية وتنبه الى الأشكال الصحيحة للألفاظ والتراكيب الصحيحة للعبارات فلا يمضي وقت يسير إلا وقد هذبت عبارتك والفاظك تهذيباً يجعلك قوية في التعبير بواسطتها. وهذا ما قصدته حين أشرت عليك بانتهاز هذه الفرصة. امّا قولك السابق انك تأخذين Full notice بالاصلاحات التي أرسلها اليك فهو يعني شيئاً غير مفيد لأن الأمور التي يعرفها الأنسان أو تصل حديثاً الى ادراكه ولا يستعملها فقد أضاعها. وقد أحببت ان تكون استفادتك عملية بقدر ما هي نظرية حتى تصبح العبارة الصحيحة ملكة في كتابتك وحينئذ تصبح كتابتك سهلة. فلا بأس ان "تضيِّعي" بعض االوقت الآن في هذا السبيل فما تخسرينه اليوم بهذه الطريقة تربحينه غداً. فليأخذ الكتاب الواحد ساعتين وثلاث ساعات وأربع ساعات، اذا لزم الأمر، لتجيء عبارته مضبوطة فيكون درساً مفيداً وفائدة عملية لك.
أسفت للوعكة التي ألَّمت برامز. فلا شك انه يتضايق في الفراش وعسى ان تكون قد زالت الآن. أمّا من حيث رغبته في مرافقتنا يوم نذهب لقضاء "شهر العسل" فأخشى ان لا نتمكن من تحقيقها له. فأنت تعلمين، يا حبيبتي، كم نحن بحاجة لنكون منفردين يشعر الواحد منا انه بكليته للآخر. وكم هي كثيرة المواضيع التي سنتكلم بها من غير ان نُضطر الى الانقطاع، ولكن سوف لا نعدم فرصة يرافقنا فيها ونتنزه معاً. وقد أكتب اليه "كرت" مع الكتاب التالي.
اني أفهم روحيتك جيداً وافهم ما تقصدين بنقل آراء الغير اليّ وابداء رأيك أيضاً فأنا أقبل ذلك منك بسرور ولا حاجة للتأكيد لي انك لا تقصدين التدخل في الشؤون التي هي من خصائصي. أحب ان تستعملي كل حريتك معي في كل ما تشعرين أو تفكرين.
قولي للذين يتذمرون من المقالات عن رشيد الخوري ان لسياسة الدولة القومية أسباباً تأتي قبل الأسباب الفردية التي عند كل واحد منهم وان "الزوبعة" لم تنشأ خصيصاً لهم، بل لخدمة مصلحة الحزب. وقولي لهم أيضاً ان لا يكونوا أنانيين فهنالك ألوف من القوميين وغير القوميين، خصوصاً في البرازيل والولايات المتحدة، ينتظرون هذه المقالات بفارغ الصبر، لأن "لمحاضرة" رشيد الخوري التي تعرض فيها للحزب السوري القومي ونظرياته علاقة كبيرة بتفكير السوريين المهاجرين في صدد الحركة القومية. واذا لم يوضح للرأي العام الموقف كما هو ساعد كلام الخوري على تشويشه لغير المصلحة القومية. وبعد ذلك ففي المقالات المذكورة دروس ذات قيمة عالية في الأدب القومي وتفكير القوميين في الأدب والغرض منه وفي الروحية القومية بوجه عام. وستجيء دروس في نظريات اجتماعية وفلسفية عظيمة الأهمية لترقية التفكير القومي. وقولي أيضاً ان الزعيم يرتاح اليوم ومتى جاء فحينئذ يمكن مباحثته في هذه الأمور.
حبيبتي! سأرسل اليك اصلاحات جديدة وفرضاً وأود ان تهتمي بهذه الناحية من كل فكرك لأن فيها فائدة لا يمكن تحديدها الآن. وقد أرسل ذلك في هذا الكتاب واذا لم يكن هنالك وقت فأرسله غداً.
والآن يجب ان اتغدى فقد صارت الساعة نحو 13.30 ويجب بعد ذلك ان أرتاح. كم أنا بشوق ان أراك وأنظر في عينيك.
متى كتبتُ ثانية غداً أو بعده سأحدثك في أمر بقائي هنا وعودتي لأعرف رأيك.
والآن أختم هذا الكتاب بقبلة وكل شعوري معك.
في 26 نوفمبر 1940