حبيبتي!

لم أتمكن أمس من الكتابة اليك في جميع ما أريد مخابرتك بشأنه ووعدتك بالكتابة قريباً. وقد رأيت ان أكتب اليوم، لأني لا أريد التأجيل كثيراً، اذ اني سآخذ الحقنة الخامسة اليوم مساء ويحسن الا أتعب بعدها. وأمس كنت لا أزال تعباً من تأثير الحقنة الرابعة، التي خالفت في أخذها اشارة الطبيب وأخذتها بعد 48 ساعة من الحقنة السابقة بدلاً من 72 ساعة. وهي كانت قوية اذ انتقلت من 1 و¼ س3 الى 1 و ½ س3. وقد فعلت ذلك استناداً الى ما شعرت به قبل ذلك اليوم من نشاط والى التأثير الخفيف الذي كانت تحدثه الحقن السابقة. ومع ذلك فان التعب لم يكن شديداً، حتى مع المعاكسات التي تكاد تكون دائمة هنا وهي أحياناً من الطعام وأحياناً من الحمام الذي تنقطع أحياناً مياهه ويتفق ان أكون نصف مبلل فيتناول البرد أعصابي. واني مسرور من ان هذه المعاكسات مع شدة قوة الحقنة لم تأخرني ولم تحدث انحطاطاً بجسمي وانما حدث بعض التعب، خصوصاً للأعصاب. وقد تكونين لاحظت ذلك من خطي في أول كتابي أمس. وبعد ظهر أمس خرجت قبل الغروب في نزهة قصيرة على ظهر فرس. وهي المرة الأولى التي أركب فيها فأكون قد قمت أمس برياضة غير قليلة واعتقد انها مفيدة، لأنها كانت كالدَّلْكِ لجسمي كله واذا كانت قد اتعبتني فهي ستأتي برد فعل حسن. وانا اليوم أرتاح ليستعد جسمي للحقنة الخامسة التي ستكون بقوة السابقة أي 1 ½ س3 فقط. وهو الحد الذي اشار عليّ الطبيب بعدم تجاوزه، كما انه أشار عليّ بالتوقف بعد الحقنة الخامسة واعطاء جسمي عشرة أيام راحة ثم العودة الى أخذ خمس حقن أخرى بالمعدل نفسه ابتداء من ¾ س3 الى ½ س3. ولست أدري اذا كان الأفضل المحافظة على هذه الوصية كلها أو متابعة الحقن. ولكن ارى انه يحسن، بعد انهاء هذه السلسلة الأولى، أن أريح جسمي وأقويه. واخبرك اني، في أثناء المعالجة بالحقن، لم أتناول مقويات من أي نوع لأني لم أجد موافقاً تعويد جسمي على الاعتماد على المقويات ولأني لم أكن اشعر بانحطاط أثناء المعالجة وهذا يعني ان الراحة أعطت جسمي فائدة كبيرة وانها هي كانت حاجتي الأولى الأساسية. 

قد حصلت، حتى الآن، على تحسن لابأس به. ولكن النتيجة الحاصلة حتى الآن هي جزئية، أي غير نهائية كلية. وهذا يعني ان المعالجة قد تستمر مدة أطول، خصوصاً اذا كان يجب ان يتخلل المعالجة وقت راحة وتقويى وهو مكمل للمعالجة. وفي هذه الحالة أسائِلُ نفسي: هل أعود في أواخر ديسمبر القادم الى بوانس ايرس، اذ يكون قد قرب وقت انتهاء مدة تذكرة العودة بالقطار وتكون قد مضت مدة ثلاثة أشهر على وجود الرفيق مسوح في بوانس ايرس وهي المدة التي اتفقت معه على ان يقضيها هناك ريثما أعود. أم هل أؤجل عودتي الى ان أكون قد شعرت بابتجاء التحسن النهائي أو بحصول النتيجة النهائية؟ واذا كان يقتضي ان أعود في أواخر الشهر المقبل فلا بد من النزول في مدينة كردبة قبل ذلك بنحو عشرة أيام لقضاء أشغال ضرورية فيها للحركة فقد ينشأ في هذه المدينة فرع صغير للحزب ووجودي عجة أيام يكون ضرورياً للتأسيس وانشاء علاقات ودية مع أوساط الجالية.
اني أرجح اتخاذ هذه الخطوة فأنزل من هنا في 15 أو 16 ديسمبر وأبقى في كردبة المدة التي أراها ضرورية لتحقيق الأغراض المذكورة فأكون قد قضيت في هذا المتّنزه شهرين كاملين ذهب منهما 15 يوماً بالوعكة التي أصابتني. وسأراقب سير صحتي بعد الاستراحة من هذه السلسلة من الحقن التي تنتهي اليوم. فما رأيك يا حبيبتي.
لا يمكنك ان تتصوري الى أي حد يبلغ شوقي الى العودة اليك لنبدأ حياتنا الجديدة ونستقر في بيتنا. ان نفكر في الشؤون المتعلقة بهذا الاستقرار:
اذا كنت سأتولى "الزوبعة" بنفسي كان بقائي في بوانس ايرس أمراً ضرورياً أو لا مندوحة عنه. فيكون من الموافق البحث عن بيت صغير، لائق وموافق لنوع حياتنا. وبينما صحتي آخذه في التحسن يمكن البحث عن الأوراق اللازمة لتتميم العقد. فالورقة التي معي بدل جواز السفر الموجود في دائرة المهاجرة قد انتهت مدتها فهل تصلح تقديمها في هذا الأمر؟واذا كانت لاتصلح فهل تكفي، مثلاً، ورقة مركز شرطة تشهد بأني موجود في بوانس ايرس وأقيم في محل كذا؟
اعتقد انه بعد رجوعي سيذهب الرفيق مسوح الى توكومان لمدة ثلاث أشهر على الأقل. ولكني أتمكن من ترتيب أمر صدور "الزوبعة" أثناء غيابنا في شهر العسل باعتماد الرفيق فريد نزها لهذه الأمر وهي مسألة عددين على الأكثر.
مما لا شك فيه ان هذه الأمور وغيرها ستكون موضع حديثنا حين عودتي وقد رأيت من المناسب ان أوقِفَكِ على هذه الأفكار والمسائل لتكوني على بصيرة، منذ الآن، من بعض هذه التفاصيل التي لابد من الاهتمام بها.
حبيبتي! سألتني عن الصورة التي رأيتها في عدد 16 نوفمبر من "سورية الجديدة" وأين ومتى أخذت. انها صورة أخذت في أول اجتماع عام كبير للحزب وهو الاجتماع العام الذي عقد في أول يونيو 1935 وألقيت فيه أول خطاب سياسي يبين المنهاج السياسي الذي وضعته للحزب. وكانت أول مرة ظهرت فيها بالبزة الحزبية الرسمية، التي تطور شكلها قليلاً فيما بعد.
الأيام ابتدأت ان تكون جميلة هنا وخالية من الرطوبة وخطر البرد. انها أيام تشعر باقتراب الصيف. وكم تمنيت لو كنا الآن معاً. ولكن سيجيء يومنا وسيكون، بلا شك، جميلاً وسعيداً.
كتبت اليّ السيدة مريانا الخوري وهنأتني بخطبتي وأثنت عليك وعلى آداب العائلة وقالت لي اني فعلت حسناً وان المرأة الواعية الطيبة القلب الفاهمة تكون خير معين لمن كان مثلي في عمل تنظيم شاق كعملي.
ان فضيلة حبنا تجعلنا نتحمل قسوة هذا الفراق بصبر. ولكني أشعر ان هذا الفراق يقترب من نهايته. ورويداً يدب فيّ الشعور اني سأجتمع بك قريباً وأبصر في عينيك نفسك الجميلة. والآن اختم بقبلة حارة لك.


في 27 نوفمبر 1940

الصور لا يمكن ان تتجهز لهذا الكتاب

المزيد في هذا القسم: « حبيبتي! حبيبتي! »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.