حبيبتي،

أكتب اليك الآن بعد العشاء ونحو الساعة 23.00 وقد فكرت كثيراً اليوم في كيفية سفرك ولم أكن مرتاحاً من هذا القبيل واني أرجو ان تكوني قد تحملتِ وصفية الحبيبة مشقة السفر بدون ضرر.

بعد وداعكما هذا الصباح رجعت الى البيت وارتحت في الفراش نحو نصف ساعة ثم نهضت وحلقت واغتسلت كالعادة ونزلت الى المحل حيث عملت الى الساعة 11.30 ثم ذهبت الى دار القضاء لأرى ماذا جرى في صدد تسجيل العقد التجاري المختص بالمحل فاخبروني هناك ان تسجيل العقد لايتم الا نحو أواخر هذا الشهر. وهو وقت طويل ولكن سننتظر.
بعد الظهر ذهبت الى العمل فمررت ببعض المحلات وانصرفت الى المحل حيث درست أكلاف أكياس الورق وعينت الأسعار الجديدة وأخبرت جبران بذلك فلم يعترض. ولكن جبران ذكر شيئاً أثار نقاشاً ومجادلة حادّة من جانبه. وجبران هذا طبعه وتفكيره. وكرّر قوله "خذ المحل على مسؤوليتك" وانتهت به الحدّة الى ان قال لي: "انك ذكي وخبير وعارف في كل شي الا في التجارة. قد تصير في المستقبل تاجراً ولكنك لست تاجراً الآن" وغير ذلك من الكلام. فأوقفته عند حده ولم أعد الى مجادلته، بل تابعت عملي بهدوء ثم خرجت لتنفقد بعض التجار وحاجاتهم فدونت طلبين بنحو عشرين فاس وعدت الى المحل بعد جولة.
بعد عودتي وتدوين الأعمال حدّثت جبران بما في نفسي وأوضحت له اني مع اني لا أحسب نفسي تاجراً فلا أتأخر عن تحدي كل تجار توكومان ووضعهم " في جيبي" ثم بيّنت له ان نجاح المحل الحالي هو بفضل نظرياتي وتدخلي لتوقيف أغلاطه الفاحشة كحين رَفَض شراء الورق للف وقررت أنا شراءَه وحين أراد ان يشتري ثانية كمية كبيرة تثقل كاهل المحل وقرّرت انا عدم شرائها واريته ان تطبيق نظرياتي في تعديل الأسعار واتخاذ منهج جديد في توسيع العمل قد زاد معدل البيع وزاد الربح الذي كاد يكون معدوماً وقلت له ان سياسته الأولى كانت سائرة بنا الى الخراب وأفهمته رأيي اني أحسب المحل وجد لنا ولخيرنا ولا أحسبنا وجدنا لخير المحل وبعد ذلك قلت له اني أرى وجوب تحملي المسؤولية والادارة واني لست عاجزاً عن ذلك وان كل ما أريده هو ان أتدرج بعد في معرفة الأصناف فقط. تجاه هذا الموقف سكت. ثم سلم بنظريتي انه لم يحن الأوان لتنفيذ فكرة وجود مكتب في بوانس ايرس ولكني أرى الآن ان أشجعه على ذلك وان استقل بالمحل شيئاً فشيئاً. وسأصبر الى ان تنتهي انت من صعوباتك ويكون المحل قد قوي أكثر. وقد كلفت جبران السعي لاستخدام ساع (كديتي)فاذا لم يتوفق في هذين اليومين فسأضع اعلاناً لهذا الغرض ومن الضروري ان اجد مستخدماً يتعود على العمل قبل ان تصل الأزمة بيني وبين جبران الى حدها الفاصل الذي قد يطول وقد يكون في أول ساعة من اليوم التالي.
أحب ان تبحثي مع جورج ومعارفك عن أفضل شركات الضمان ضد الحريق وشروطها وعن أهمية شركة Union Assurance Co في شارع ركنكيسته 4/3.
ثم أبحثي عن خرق مسح الأرض وخاطبي معمل "كنتيننتال" لدهان الأحذية واذا أمكن الحصول على اسفنج فولاذي بسعر موافق يمكنك ان تتصرفي من هذه الناحية.
أسألي فومقلي بالتلفون اذا كان تسلم طلبنا واذا كان يمكن شحن دفاتر ماخستاريو عدد 100 ونحو 200 بلوك "قوتشو" ونحو 150 بدل كنصن canson Rep cuadric بسرعة لكي نكمل طلبنا بها واذا كان عنده جاهزاً غلاف عدد 135 ندون منه الفين 2000. والأرجح اني أكتب اليك يوم السبت مفصلاً طلباً كاملاً بالاسبانية مع كتاب الى فومقلي وآخر الى دلافنّا ليعتمدوك في ما تطلبين. ثم أكلفك زيارة محل ساريته Sarita في شارع كرينتس وشراء مناشير ويويو أو جوجو yoyo وبلابل Trompo واسألي فومقلي اذا كان قد حضر جيوب فرميدابلي وهل الغلاف مبطن Forrado وبكم سعره الآن وكم سعر هلّندَ و Siempreviva وبكم يبيعنا 5.000 فرميدابلي نقداً. غداً أضع هنا عنوان مصنع جيوب مدوني Maddoni لتسأليه بكم يبيع 3.000 جيب "Oasis" 4.4 ابيض نقداً. وسأكمل هذا الكتاب غداً وأعطيك معلومات وتعليمات أخرى.
وقبل ان أترك الكتابة الآن أخبرك فصل فلورينده. عدت الى البيت متأخراً بعد الساعة 21 وأخذت أضغط زر الجرس المرة بعد المرة نحو عشرين مرة فلم يجب أحد. فذهبت الى الزاوية وفتحت التلفون فرن طويلاً ولكن بلا جدوى. وأخيراً تكرمت فتيات الجيران بادخالي دارهن وتسلقت الجدار من الجنينة ووجدت فلورينده ممدة في سريرها مفتحة العينين وهي ساهية فناديتها فنهضت ولما أخبرتها أجابت انها لم تسمع شيئاً قط!! وكان جوابها بتلك البرودة والبلادة المعهودة.
أعود اليوم الجمعة 11 الى هذا الكتاب والوقت نحو 17.30: نهضت اليوم باكراً في الصباح فقرأت الجرائد واغتسلت وتروقت كنت في المحل نحو الساعة 8.30. كان جبران لا يزال في البيتجامه وقد استقبلني ببشاشته المعهودة كأنه لم يحدث شيء أمس. وكنت قد صممت على اتخاذ موقف حاسم تجاهه لما بدا لي من خروجه عن المقرّر وعن النهج الواجب اتباعه. ولكني صبرت منتظراً الفرصة فعَرَضت حالاً.
أول شيء اهتم به جبران هو اخراج مال الصندوق الكبير أو الخزانة واعداد دفتره ليذهب الى البنك. فنهضت من المكتب وقلت له اني أعتقد انه يجب ان ندفع بعض الفواتير في بوانس ايرس واني احتاج الى مال لدفع اجرة بيتي وغيرها. فأخذت النقد كله ثم فتحت مسألة المحل وسياسته وكلمته بصراحة وقلت له انه اذا كان هو يهتم أكثر من اللازم ويظهر القلق ويضع المال في البنك ويتمسك بسياسته في المحل خشية ان لا يقدر المحل على دفع الأرعة آلاف فاس التي تستحق الشهر القادم فاني مستعد لأن أقدم سنداً على البنك بهذا المبلغ ولكني أريد ان أحمل الادارة ومسؤولية المحل بنفسي وبأية صورة يشاؤها. وزدت قائلاً اني لم أجبه بسرعة أمس اني أقبل بتحويل المحل لاسمي وحده ليس لأني أخشى شيئاً أو اتهيب الأمر، بل تجنباً للقيل والقال في هذه الظروف. ثم قلت له ان توضيح الموقف هو أفضل شيء لكي لا يحصل نفور شخصي بيني وبينك وأفهمته ان قوله لي أمس اني أعرف أشياء كثيرة الا اني لا أعرف التجارة ولست تاجراً هو من باب الحدة والنفور الشخصي وليس من قبيل التفكير النزيه من العوامل الشخصية، وأكّدت له اني لا أقبل هذا التصرف ولا أريد ان أرى مثله في المستقبل ولذلك اني مستعد لتولي الأمر بنفسي سواء أكان بالشركة أو بدونها.
سكت تجاه صراحتي القوية والظاهر انه رأى انه لا يمكنه أخافتي بترك الشركة وانتهز فرصة قدوم مشترٍ فسألني عن الأسعار الأخيرة التي عينتها لأكياس الورق واظهر مطاوعة لي ولست أدري هل هي وقتية. ومن جملة الأمور التي أبنتها له انه لم يف بوعده وعهده ان يقدّم المحل اجرة بيتي وتسعين فاس أخرى فقال انه عني بذلك ابتداء من السنة القادمة. فذكرته ان هذا كان القصد الأول قبل عزمي على وضع الخمسة آلاف فاس وانه عندما عزمت على تحقيق المبلغ المذكور اجرى حساباً وأكد لي ان المحل يقدم ما ذكرت. وزدت صراحة فقلت اني خربت سياسته الأولى فعلاً لأني فضلت خراب خطته على خراب المحل وخراب بيتي وأوضحت له انه لا يشعر بالمسؤولية التي أشعر بها أنا لأنه غير معرض للنتائج والعواقب المعرّض لها أنا ولذلك لا أقبل الا ان يكون الأمر في يدي.
منذ هنية قال لي انه يريد ان يذهب ليرى شكري ملقى ويشتري منه بعض رزم "باريليته" من ألوان تنقصنا. فقلت له ان يسأل عن السعر أولاً لأنه لا بد لنا من شراء كمية جديدة في بوانس ايرس استعداداً للصيف ولعب الأولاد بالطيارات. فقبل وذهب ثم عاد يقول انه يوجد عند شكري كمية كبيرة جديدة ولكن ليس فيها الألوان اللازمة لنا كالأصفر وغيره. ثم قال لي ان شكري طلب اليه اذا كان يمكنه اقراضه مبلغ الف فاس لبضعة أيام وانه قال لشكري ان علينا استحقاقات في مطلع الشهر القادم. فرأيت سياسة مؤقتاً بعد كلام هذا الصباح اجابته الى رغبته لبينما أرتب الأمور نهائياً وقد أدعوه الى البيت السبت أو الأحد لأرتب الأمور واضبط المسائل بنفسي هذا ما جرى لحد الآن.
الياس انطكلي أفطر بعد صيامه ولكنه لم يعد الى العمل وقد طلبت من جبران التعجيل في أمر كاديته فطلب من مواطن لنا ارسال ابنه وهو الشاب الذي كان يعمل سابقاً في محل أمين مسوح وتركه وجاء مرة يطلب أسعاراً ليبيع لنا. وجاء اليوم الشاب فعلمنا منه انه يعمل ثلاثة أيام في الأسبوع، الاثنين والأربعاء والسبت، وفي "قلبون" للخضر والفاكهة ويربح – 6. فاس في اليوم. فاتفقنا معه على ان يعمل عندنا الثلاثاء والخميس والجمعة باجرة 1.50$ في اليوم مياومة. وقد ابتدأ منذ اليوم وأوصل صباحاً طلبين كنت دونتهما أمس.
أرى اني كتبت كفاية حتى الآن ويمكن ان أكتب غداً في ما يخص البيع والشراء.
تسلمت اليوم بعد الظهر برقيتك التي طمأنتني وسررت لأنك تمكنت من حيازة مقعد فُلمن.
ارجو ان تكوني وصيفة والماما وديانا وجورج بخير وصفاء وسرور. واني أتصور سرور جدة صفية وخالتها ديانا بها فلهما الهناء. والسلام للجميع وقبلاتي لك ولصفية.

ولتحي سورية


في 11 اغسطس 1944

ملاحظة: عنوان محل "Sarita"
Corrientes 3380/90
O.T79.1784

عنوان محل فومقلي:
Bme Mtre 2075/85
U.T.47.1662
و 47.1736
هذا لتدوين الطلب بالتلفون

ودلاّفنَّه:
Pasana 464
U.T.35.4041

المزيد في هذا القسم: « حبيبتي، حبيبتي، »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.