بعد ان فرغت من كتابي المتقدم الذي أذكر لك فيه بعض تفاصيل المعركة للانتصار على ضعف جبران وحركاته المُضَعضِعة أخذت الكتاب الى دائرة البريد وتوجهت بعد ذلك الى المحل. وجدت جبران بالبيتجامة يقرأ في أحد أعداد مجلة "الهلال" والى جانبه ابريق الماء الغالي ويشرب "ماثة". وكان متخذاً مقعده في الشقة الخلفية من المحل، وراء الوقافة. فذهبت الى درج الخزانة وأخرجت منه دفتر حساب شكري ملقى ودفتر حساب الخزانة لأُجري بعض مقابلات. بعد هنيهة نهض جبران وغسل وجهه وسرَّح شعره وارتدى بذلته وجاء وقال هل تجري حساباً؟ قلت له اني أقابل أولاً حساب شكري لأرى الفرق بين ما نأخذه منه وما يأخذه منا. وتطرق الحديث الى سياسة المحل وكيف انه لا يفوافق هذه السياسة تقوية المزاحمين. فقال اننا نريد نحسن الى شكري حتى اذا احتجنا اليه أخذنا منه ما نحتاج. فقلت له الافضل ان نقوّي مركزنا عند الدائنين حتى يعطونا ما نحتاج اليه ونستغني بقدر الامكان عن الالتجاء الى شكري. ثم أخذت أفصل له خطط السياسة الوحيدة الصالحة لتقوية تجارتنا وفوزها. وأظهرت له ضعفه وقوة شكري من جهة وضعف شكري وقوته (قوة جبران) من جهة اخرى. وكرَّرت عليه انه تأثُري عاطفي ومقرراته التجارية أغلبها يجري تحت المؤثرات الوقتية العارضة كشرائه كل هذه الكمية الكبيرة من ورق كرافت للأكياس وكعزمه على تكرار طلب ورق اللف قبل بيع عُشر ما جلبناه وكشرائه كدسة ورق التغليف في حين لا يزال عندنا منه نحو كدستين، ولا عبرة بنقص اللون الأزرق المطلوب أكثر من غيره، لأن ما ينقصنا منه نقدر ان نبدله بالألوان التي عندنا أو نشتري الكمية التي نحتاج اليها فقط من هذا اللون ونجتهد في بيع ما عندنا أولاً، وغير ذلك من المواقف التي تدل على عاطفيته وتأثره بالحوادث العارضة. ثم شرحت له هدوئي ووزني الأمور واريته الفرق بين سياستي وسياسته وأخيراً اقتنع ان سياسة المحل يجب ان تصير تحت ادارتي وكذلك ماليته. فقلت له انه يجب من الآن وصاعداً ان لا نجري صفقة تجارية كبيرة الا بمعرفتي وموافقتي وكذلك المال يجب ان يبقى لي أنا حق تقرير كيفية صرفه لأتمكن من ضبط الأمور تجاه المسؤوليات المقبلة. فقال: جيد ليكن ذلك فأنا لا أعارض في ذلك مطلقاً. وحسنت له فكرة الاهتمام ببوانس ايرس. وقد رأيت ذلك مفيداً من عدة وجوه فأني أرى حبران قلقاً ويحتاج الى عمل شيء دائماً – الى عمل أي شيء مهما كانت النتيجة – فاذا ذهب مدة الى بوانس ايرس امكنني تنظيم المحل وضبطه كما أريد وبعد ذلك أرى كيف يتطور سير الأمولا وأُجري ما يلزم في وقته. ووجود جبران في بوانس ايرس بعيداً عن أهله هنا وتحت توجيهاتي يكون مفيداً جداً لنا خصوصاً في هذا الطور.
بعد ان وصلنا الى هذه النتيجة ذهب واشترى كعكاً ورغب اليّ ان نأخذ عصرية معاً، فدعوته الى الشاي في كنفيترية "الذوق الحسن" قرب ساحة الاستقلال وتحدثنا في أمور كثيرة منها أمور المحل وخططه المقبلة فكانت نفسيته جيدة كل الوقت. فمتى قدمت أنت يمكن ان نفكرفي سفر جبران وضبط المحل هنا كما يجب.
سالت جبران عما جرى في صدد المكان الفارغ في شارع مايفو فقال انه اهتم للأمر وان أخ أمادو ديماني مر من أمام المحل فخاطبه في شأنه وان هذا وعده ان يكلم اخاه. وسنجتهد في احراز هذا المكان. وبما ان الياس انطكلي قد ترك من عندنا فسأحاول تثبيت الشاب الذي دخل عندنا ولم يأت اليوم وأظن انه نفرمن جبران قليلاً بسبب تشدده الثلاثاء الماضي بعد الظهر بوجوب العمل مع ان اليوم عطلة والشاب حديث عندنا. ثم سأرى اتخاذ مستخدمة للبيع فيكون مجموع ما يأخذه الاثنان مبلغ ما كان يأخذ الياس انطكلي تقريباُ وأرتب الصندوق وفواتير المبيع على الأصول بحيث يجري قيد كل شيء فيرى جبران نظاماً سائراً لا يمكن خلخلته وأنت تكونين على الصندوق وتساعيدنني في القيود وضبط الحسابات وأنا أدير المحل وماليته كما يجب. هذه هي الخطة التي أراها لخير المحل وخير جبران أيضاً.
مطبعة مراد وبعقليني أضاعت نص الكتابة لبطاقتك وسألوني بالتلفون فقلت لا أدري وأظن كذا فطبعوا لك البطاقات كما ظننت وقلت لهم وأني أرسل اليك مع هذا الكتاب بعضها لاستعمالك مؤقتاً. وفي المستقبل نجري مطبوعاتنا عند ماريني الذي يظهر ان عنده أتقن مطبعة في توكومان فقد زرته وتعرفت به وأراني المطبعة وأقسامها وهو الآن زبون جيد لنا. انه يشتري كمياته من بوانس ايرس رأساً ولكنه يشتري ما ينقصه من عندنا أولاً.
اكتفي الأن بما تقدم لتطمينك.
ولتحي سورية
في 17 اغسطس 1944
بعد: خاطبي جواد تلفونياً وقولي انه لم يصل رزم من الزوبعة لا لي ولا لجبران لا من العدد الماضي ولا من هذا العدد واني نبهت افيوني الى ذلك في بوانس ايرس فوعد بارسال رزمة من العدد الماضي وتحقيق وصول رزم متواصلة من كل عدد 10 لي و 5 لجبران تنفيذ ذلك بكل دقة وبوجه السرعة.