حبيبتي،

اليوم عند الساعة 12.30 اردت أن اكتب اليك قبل اقفال المحل ليذهب كتابي هذا في قطار هذا المساء ولكن قاطعني الزبائن. ثم رأيت تأجيل الكتابة الى بعد الظهر وانتهاز الفرصة لتنفيذ عزيمة كنت عقدتها منذ أيام واخبرتك عنها، اعني وضع علبة الخزانة تحت ادارتي وقبضتي وحدي لكي لا يصل جبران الى المال الا بحضوري ولا يأخذ شيئاً الا بموافقتي. وكنت أمس هيأت براغي في درج المكتب الأيمن الذي اجلس اليه واليوم أخذت معي قفل الباب الخارجي المعلق في مدخل بيتنا وفي هذه الفرصة وقد صارت الساعة الواحدة واقفلت ابواب المحل وجيران غائب في ارسالية بضاعة الى أحد الزبائن اخذت الدفاتر ومجموع الصندوق وعلبة الخزانة الى مكتبي، على عادتي، لأحصي الداخل واضبط المنقول وادون في الدفاتر جميع النتائج، وبعد ان اجريت عملية الحساب والنقل ادخلت الدفاتر وعلبة الخزانة الدرج ووضعت قفلي عليه. وفي هذا الوقت عاد جبران فرآني أُكمل الحسابات على عادتي فدخل الغرفة الداخلية ليهيئ المائدة لغدائه. فلما فرغت دخلت اليه واخبرته بنتيجة البيع وما دخل الخزانة وما بقي في الصندوق اليومي واطلعته على وضعي الخزانة في درج مكتبي. قال، جيد هل للقفل مفتاحان ام هو قفلنا؟ قلت لا هو قفل جديد جلبته من بيتي وله مفتاح واحد. قال انا لا افهم الا ان هذا معناه رفع يدي عن المال. اجبته هذا يعني اني اتابع تنفيذ خطة التنظيم التي اخبرته عنها سابقاً ومن اهم نقاطها ان تكون ادارة المسائل العليا ومالية المحل في يدي فقال انا اذن اسلم المحل واقول اني تعبت من التجارة أو أي شيء. فقلت افعل ما تشاء فلا عندي اما في حالة الشركة فالامور المالية تبقى في يدي والمال يدخل على يدي ويخرج كذلك. وقلت اني لا احمل مسؤولية تصرفه واستبداده وافهمته اني ارى انه لا يعطي الشركة حقها وانه ينفرد بتصرفات كثيرة فيها مسؤولية كطلبه طلبية جديدة من غير إعلامي وكإقراضه شكري ملقي مالاً من غير استشارتي ووضعه مال المحل في المصرف باسمه الشخصي من غير اخذ رأيي، فاذا كان يرى عملي الحاضر استبداداً وغير عادل فلينتقي من يشاء من اصحاب الرأي والثقة لنبدي المسألة أمامه ونرى من المجحف بحق الآخر منا. ثم تابعت وقلت له: انك هنا مطلق التصرف ومتسلط على كل شيء فانت على المُسْتَعرَض (مسترادور) وانت مقيم هنا في المحل وانت على الصندوق اليومي وبيدك مفتاح الخزانة والدفاتر كانت في يدك أيضاً وقد تصرَّفت بكل ذلك كأني انا لست شريكك الاكثر مسؤولية منك وكأني لست موجوداً الا لتسيير رغبتك، فتجاه شذوذك وإتيانك ما لا يجوز إتيانه بغير موافقتي ونظراً لضرورة التنظيم والضبط وتعيين المسؤوليات والصلاحيات في ادراة المحل، وعملاً بما اخبرتك سابقاً اني مصمم عليه، وضعت المال تحت ادارتي وضبطي فانت تطلع على الدفاتر وترى المال كلما شئت ولكن ليس لك ان تمد يدك اليه وتستعمله الا بموافقتي وبعد أخذ رأيي.

عندما رأى جزمي وثباتي قال: إذن دع لي الحرية في المُسْتَعرَض. قلت له لك ملء الحرية إلا في مسألة الاسعار والاثمان. قال هذه أضعها أنا. قلت لا، بل توضع باتفاق الاثنين فنعين حدّاً أدنَى لكل صنف وفوق ذلك لك الحرية التي تريدها ويجوز لك التوسع في بعض الظروف الاستثنائية. قال: لا والافضل ان انزل الى بوانس ايرس، اني اريد النزول الى بوانس أيرس ومن هناك اخدمكم واشتري لكم ما ترغبون واذا لم تشاؤوا عمل ذلك على يدي فانتم احرار. (هنا كشف جبران بعض نيته التي كنت استشعرها، كما اخبرتك) قلت جيد انا اقبل. فعطف وقال نحن يجب ان لا نتغاضب والأفضل ان لا يصير تصادم بيننا ولذلك انزل أنا الى بوانس أيرس ولا أطلب غير المئة فاس شهرياً لتساعدني على النفقة وانت هنا تدير المحل وتنظمه كما تحب وتعين الاسعار وأنا اتسوّق ولا اشتري الا الكمية التي تعينها انت. قلت جيد اني اريد تعيين الكميات للشراء دائماً والاسعار أيضاً لأن هذه امور تتعلق بسياسة المحل العليا التي يجب ان تكون في يدي.
وصار جبران يلين وقال لي "لا تزعل، يا معالي الزعيم، لا تزعل". وعند الباب قال لي مرة اخرى: "لا تزعل فأنا اكون تحت صرمايتك، وهذا لا اقوله لأحد آخر في الدنيا كلها" فقلت له: لا أنت لا تحت "صرمايتي" بل تكون معي، وَهَب اني سائر الى الهاوية فيجمل بك ان تسير معي، لا ان تقيم هذه المعاكسات المتعبة لي ولك. وركبت دراجتي وانصرفت الى البيت حيث اخذت حمّاماً جيداً وتغديت نصف عريان في الشمس وارتحت ساعة واتيت اكتب هذا الكتاب اليك.
الفصل المتقدم مع جبران له سابقتان الواحدة أمس حين حصل احتكاك بيننا وأظهر فيه جبران خشونة والثانية هذا الصباح حين صدمته في بعض الأمور فقال لي "اذن انا اترك المحل واستلمه انت" فقلت له انه كرر هذا على مسمعي وأني مستعد لأخذ المحل على اسمي فأنا لا أخشى شيئاً بل تكون ثقتي أكبر. قال: جيد فانا لا اتدخل فيما بعد لا في اسعار ولا في تدبير. فقلت جيد فيجب ان نقوّم المحل سريعاً ونرى نتيجة عملنا وعلى الاثر يكون المحل بتسلُّمي وحدي. تجاه موقفي هذا هدأ جبران وعاد الى اللين. هو كان يظن انه يخيفني بقوله يترك المحل فعلم انه مخطئ وقد اكدت له عند الظهر تفوق سياستي ونظرتي التجارية، خصوصاً في الشراء وفي تعيين الاسعار.
الخلاصة ان حقوقي قد احرزت انتصارها الثاني على ضيق نظر جبران واستبداده. لم يبق سوى مسألة الصندوق اليومي فهذا يتم نهائياً حين مجيئك وتعيينك رسمّياً للصندوق فينفصل الصندوق عن البيع والبائعين وأجعل له طاولة وحدها وبهذا تنتهي سيطرة جبران وإستبداده وخططه الانفرادية. ولعَلِّي اتمكن حينئذٍ من ان أجد أماناً لنفسي وحقوقي من اصدقائي ورفقائي.
لو كنت انتِ هنا هذا الصباح حين جرى الاحتكاك الأول لباشرتُ التقويم في الحال وانهيت هذه الرواية بسرعة. ولكن ما جرى الآن جيد وانا لا أميل كثيراً الى الانتقام والتشفّي وإني اشفق على جبران وأفضل انقاذه على هلاكه.
بقيت هناك بعض امور تجارية عسى ان تجدي لها وقتاً.
Chala هذا الصنف يهتم به أُرافتشي وجبران يقول انه هو موجده في السوق.
وقد ورد شكري ملقى منه ولعله من عند أُرافتشي. فاسألي ارافتشي عنه بالتلفون وقولي له انه لنا. فإذا كان عنده منه فدَوِّني طلباً نحو 25 أو 50 علبة على شرط ان يكون السعر، على الأقل، كما هو لشكري.
Gomeco هذه الشركة تجدين اسمها، بل اعطيك عنوانها والتلفون لتطلبي منهم ان يرسلوا الينا لائحة اسعار جديدة لأن الأولى فُقدت: شارع 140 Rodnay, قرب شكريته. تلفونها 54.3268 والافضل ان يرسلوا اللائحة اليك هناك، لأن جبران يطلب جميع هذه العنوانات ليستفيد منها لنفسه في المسقبل.
يوجد شيء آخر دوَّنته في المحل لأذكره لك ولا يحضرني الآن فإذا كان هامّاً ذكرته في رسالتي التالية غداً او بعد غد.
سلامي لأهل البيت وقبلاتي لك ولصفية.

ولتحي سورية


في 26 أغسطس 1944

المزيد في هذا القسم: « رفيقتي جولييت، حبيبتي، »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.